للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عصمنا الله وإياكم من الزلل، ووفقنا لصالح العمل وهدانا بفضله سبيل الرشاد، وطريق السداد إنه جل شأنه نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

(فَصْلٌ)

وقال ابن القيم رحمه الله: لا يتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا، ولا يستقيم الزهد في الدنيا إلا بعد نظرين صحيحين: نظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها، واضمحلالها ونقصها وخستها، وألم المزاحمة عليها والحرص عليها وما في ذلك من الغصص والنغص والأنكاد.

وآخر ذلك الزوال والانقطاع مع ما يعقب ذلك من الحسرة والأسف، فطالبها لا ينفك من هم قبل حصولها، وهم في حال الظفر بها وغم بعد فواتها، فهذا أحد النظرين.

(النظر الثاني) النظر في الآخرة واقبالها ومجيئها، ولا بد ودوامها وبقائها، وشرف ما فيها من الخيرات والمسرات، والتفاوت الذي بينه وبين ما هاهنا، فهي كما قال الله سبحانه {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} فهي خيرات كاملة دائمة، وهذه خيالات ناقصة، منقطعة مضمحلة.

فإذا تم له هذان النظران آثر ما يقتضي العقل إيثاره وزهد، فيما يقتضي الزهد فيه كل احدٍ مطبوع على أن لا يترك النفع العاجل واللذة الحاضرة، إلى النفع الآجل واللذة الغائبة المنتظرة، إلا إذا تبين له فضل الآجل على العاجل، وقويت رغبته في الأعلى الأفضل، فإذا آثر الفاني الناقص، كان ذلك إما لعدم تبين الفضل له وإما لعدهم رغبته في الأفضل.

<<  <  ج: ص:  >  >>