موعظة: عباد الله إن الناس في هذه الحياة انقسموا قسمين قسم جعلوا غايتهم الكل والشرب والتمتع بملاذ الدنيا من مساكن وملابس وقضاء وطر وليس وراء هذه الغاية عندهم غاية أخرى فهم يقضون أوقاتهم يصرمون أعمارهم ليتمتعوا ما وسعهم التمتع فما بعد نظرهم الكليل الحسير وقلوبهم الميتة إلا العدم والفناء.
وهؤلاء هم جند الشيطان شر خلق الله وأشقاهم قال تعالى {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً} وقال {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} فهم صاروا كالأنعام لا يختلفون عنها إلا في الصورة والشكل وإلا في دخولهم النار ولذلك قال الله جل وعلا {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} .
تلك هي غاية هذا الصنف أما مركزهم بين الناس فهو مركز الإفساد والإضلال ومآلهم جميعًا دخول النار، قال تعالى {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} وقال {قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} .
الصنف الثاني الذين عرفوا الحقيقة والغاية التي خلقوا لها عرفوا أن الله خلقهم لعبادته كما قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} أيقنوا بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ} فغايتهم كما تقدم عبادة الله.
ومنها الجهاد في سبيل الله والدعوة إليه وعمارة الأرض بفعل الخير وهداية الحيارى إلى الحق وقيادتهم في دروب الحياة الدنيا ووراءها الغاية العظمى والعليا وهي ابتغاء مرضاة الله وحده جل جلاله.
قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا