فِيه سراج فانمحي أو انطفأ فلا تثَبِّتْ فِيه قدم ولا يسمَعَ فِيه كلام ولا يري فِيه صورة ولا يقدر عَلَى إطفائه لا من داخل ولا من خارج بل ينبغي أن يصبر إلي أن يحترق جَمِيع ما يقبل الاحتراق فكَذَلِكَ يفعل الْغَضَب فِي الْقَلْب والدماغ، وَرُبَّمَا تقوي نار الْغَضَب فتفني الرطوبة التي فيها حياة الْقَلْب فيموت صاحبه غيظاً كما تقوي النار فِي الغار فيتفكك وتهدم أعإليه عَلَى أسفله وَذَلِكَ لأبطال النار ما فِي جوانبه من القوة الممسكة الجامعة لأجزائه فهكَذَا حال الْقَلْب عِنْدَ الْغَضَب نسأل الله العافية والسلامة.
وبالحَقِيقَة فالسَّفِي نَة فِي متلاطم الأمواج عِنْدَ اضطراب الرياح فِي لجة البحر أحسن حالاً وأرجي سلامة من النفس المضطربة غيظاً إذ فِي السَّفِي نَة من يحتال ويتسبب لتسكينها وتدبيرها وينظر لها ويسوسها بإذن الله وأما الْقَلْب فهو صَاحِب السَّفِي نَة وقَدْ سقطت حيلته إذ أعماه الْغَضَب وأصمه انتهي.
ومن أسباب الْغَضَب: فوات اللذات والشهوات من مطعم ومشرب ومسكن ونحو ذَلِكَ لكن إن كانت هذه الأشْيَاءِ مملوكة لَهُ وحيل بينه وبينها، فإن كَانَ بدون مبرر شرعي فله أن يغضب حتي يسترده ويكون فِيه ذه الحالة لَيْسَ مذموماً ثُمَّ إن كَانَ الَّذِي فاته ضرورياً لَهُ كَانَ الْغَضَب واجباً من أجله وإن كَانَ كمالياً كَانَ الْغَضَب من أجله جائزاً وإن كَانَ حراماً عَلَيْهِ أو غَيْرَ مملوك لَهُ كَانَ الْغَضَب مذموماً.
ومن أسباب الْغَضَب: الوشايات والنمائم فمن النَّاس من يغضب لمجرد وشاية نقُلْتُ إليه عن بعض النَّاس أو لمجرد نميمة بلغته من نمام بدون أن يتثَبِّتْ فِي الأمر فيعتدي عَلَى الأبرياء بإزالتهم عن أعمالهم، أو نقلهم عنهَا إلي محلات لا يرغبونها، أو يتسبب لقطع ما هُوَ ماش لهُمْ من