للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: إِذَا كَانَ أَبُونَا آدَم بَعْدَ مَا قِيلَ لَهُ: أُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوّجُكَ الْجَنَّةَ صَدَرَ مِنْهُ ذَنْبٌ وَاحِدٌ فَأمِرَ بِالْخُرُوجِ مِنَ الْجَنَّةِ فَكَيْفَ نَرْجُوا دُخُولَهَا مَعَ مَا نَحْنُ مُقِيمُونَ عَلَيْهِ مِنَ الذُّنُوبِ الْمُتَتَابِعَةِ وَالْخَطَايَا الْمُتَوَاتِرَةِ.

كان أبو الفتح المنهى قد برع في الفقه وتقدم عند العوام وحَصَل له مال كثير ودَخَلَ بَغْدَاد وفِوُّضَ إليه التَّدْرِيس بالنِّظامية وأدْرَكَهُ الموتُ بهَمَدان.

فلما دَنَتْ وَفَاتُهُ قَالَ لأصْحَابِهِ: أُخْرُجُوا. فَلَمَّا خَرَجُوا عَنْهُ جَعَلَ يَلْطُمُ وَجْهَهُ وَيَقُولُ: {يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} ويقول لِنَفْسِهِ مُوَبِّخًا لَهَا: يَا أَبَا الْفَتْحَ ضَيَّعْتَ الْعُمُرَ في طَلَب الدنيا وتحصِيل المال والجاه والتَّرَدُدِ إلى السَّلاطِين وَيُنْشِدُ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ:

عَجِبْتُ لأَهْلِ الْعِلْمِ كَيْفَ تَغَافُلُوا ... يَجُرُونَ ثَوْبَ الْحِرْصِ حَوْلَ الْمَمَالِكِ

يَدُورُونَ حَوْلَ الظَّالِمِينَ كَأَنَّهُمْ ... يَطُوفُونَ حَوْلَ الْبَيْتِِ وَقْتَ الْمَنَاسِكِ

أَرْسَلَ عُثْمَانُ بن عَفَّان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعَ عَبْدٍ لَهُ كَيْسًا مِنَ الدَّرَاهم إِلى أبي ذر رضي الله عنه وَقَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ قَبلَ هَذَا أَبُو ذَر فَأَنْتَ حُرٌ أي عَتِيق فَأَتَى بالكيس إلى أبي ذَرٍ وَأَلَحَّ عَلَيْهِ فِي قُبُولِهِ فَلَمْ يَقْبَلْ فَقَالَ الْغُلامُ لأَبِي ذَرٍ: إِنَّهُ عَلَّقَ عِتْقِي عَلَى قُبُولِكَ هَذَا الْكِيسَ. فَقَالَ أَبُوَ ذَرٍّ: لَكِنَّ فِي قُبُولِهِ رِقِّي.

هذه القصيدة الشيبانية عَدَّلْنَا فِيهَا بَعْضَ أَبْيَاتٍ وَكَانَ بَعْضُهَا فيه شيء لا يصلح.

سَأَحْمَدُ رَبِّي طَاعةً وَتَعَبُّدَا ... وَأَنْظِمُ عِقْدًا فِي الْعَقِيدَةِ أَوْحَدَا

وَأَشْهَدُ أَنَّ الله لا رَبَّ غَيْرَهُ ... تَعَزَّزَ قِدْمًا بِالْبَقَاءِ وَتَفَرَّدَا

هُوَ الأَوَّلُ الْمُبْدِي بِغَيْرِ بِدَايَةٍ ... (وَلا بَعْدَهُ شَيْءٌ عَلا وَتَوَحَّدَا)

سَمِيعٌ بَصِيرٌ عَالِمٌ مُتَكَلِّمٌ ... قَدِيرٌ يُعِيدُ الْعَالِمِينَ كَمَا بَدَا

مُِريدٌ أَرَادَ الْكَائِنَاتِ لِوَقْتِهَا ... قَدِيرٌ فَأَنْشَا مَا أَرَادَ وَأَوْجَدَا

إله عَلَى عَرْشِ السَّمَاءِ قَدِ اسْتَوَى ... وَبَايَنَ مَخْلُوقَاتِهِ وَتَوَحَّدَا

إِذِ الْكَوْنُ مَخْلُوقٌ وَرَبِّي خَالِقٌ ... لَقَدْ كَانَ قَبْلَ الْكَوْنِ رَبًّا وَسَيِّدَا

وَلَيْسَ كَمِثْلِ اللهِ شَيْءٌ وَلا لَهُ ... شَبِيهٌ تَعَالى رَبُّنَا وَتَوَحَّدَا

<<  <  ج: ص:  >  >>