وقرب من الله ومنزلة عنده يرجو وصوله إليها والرجَاءَ من الأسباب التي ينال بها الْعَبْد ما يرجوه من ربه بل هُوَ من أقوى الأسباب. أهـ.
وقَالَ فِي مختصر منهاج القاصدين: وقَدْ علم أرباب الْقُلُوب أنَّ الدُّنْيَا مزرعة الآخِرَة والْقَلْب كالأَرْض والإيمان كالبذر فيها والطاعات جارية مجرى تنقية الأَرْض وتطهيرها، ومجرى حفر الأنهار وسياقة الماء إليها.
وأن الْقَلْب المستغرق بالدُّنْيَا كالأَرْض السبخة التي لا ينمو فيها البذر ويوم القيامة هُوَ يوم الحصاد، ولا يحصد أحد إلا ما زرع ولا ينمو زرع إلا من بذر الإِيمَان، وقل أن ينفع إيمان مَعَ خبث الْقَلْب وسوء أخلاقه، كما لا ينمو البذر فِي الأَرْض السبخة.
فينبغي أن يقاس رجَاءَ الْعَبْد المغفرة برجَاءَ صَاحِب الزرع، فكل من طلب أرضًا طيبةً وألقى فيها بذرًا جيدًا غير مسوسٍ وعفنٍ، ثُمَّ ساق إليها الماء فِي أوقات الحاجة ونقى الأَرْض من الشوك والحشيش وما يفسد الزرع.
ثُمَّ جلس ينتظر من فضل الله تَعَالَى دفع الصواعق والآفات المفسدة إِلَى أن يتم الزرع ويبلغ غايته، فهَذَا يسمى انتظاره رجَاءَ، فَأَمَّا إن بذر فِي أرض سبخة صلبة مرتفعة لا يصل إليها الماء ولم يتعاهدها أصلاً ثُمَّ انتظر الحصاد فهَذَا يسمى انتظاره حمقًا وغرورًا لا رجَاءً.
وإِنْ بث البذر فِي أرض طيبة، ولكن لا ماء لها وأخذ ينتظر مياه الأمطار سمي انتظاره تمنيًا لا رجَاءً، فَإِنَّ اسم الرجَاءَ إِنما يصدق على انتظار محبوب، تمهدت أسبابه الداخلة تحت اختيار الْعَبْد، ولم يبق إلا ما لَيْسَ إِلَى اختياره، وَهُوَ فضل الله سُبْحَانَهُ بصرف الموانع المفسدات.
فالْعَبْد إِذَا بث بذر الإِيمَان وسقاه ماء الطاعات، وطهر الْقُلُوب من شوك الأَخْلاق الرديئة وانتظر من فضل الله تَعَالَى ثباته على ذَلِكَ إِلَى الموت، وحسن