كَتَبَ إِلى قريشٍ أَنْ ارْجِعُوا، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتُحْرِزُوا عِيرَكُمْ، فَأتَاهُمْ الْخَبَرُ وَهُمْ بِالْجُحْفَةِ، فَهَمُّوا بالرُّجُوعِ وَرَغِبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّ أَبَا جَهْلٍ رَكِبَ رَأْسَهُ، وَعَزَّ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعُوا، فَتَضْعُفَ شَوْكَتُهُمْ بَيْنَ العربِ، وَيَطْمَعَ فِيهِمْ الْمُسْلِمُونَ وَغَيْرُهُمْ، فأخَذَ يَصِيحُ في القَوْمِ وَيَقُولُ: وَاللهِ لا نَرْجِعُ حَتَّى نَردَ بَدْرًا، فَنُقِيمَ بِهَا، وَنُطْعِمَ مَنْ حَضَرَنَا مِنْ العَرَبَ وَنَسْقِيَ الْخَمْرَ، وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا القِيَانُ، وَتَسْمَعَ العربُ بنا، وبِمَسِيرنا، وَجَمْعِنَا، وَلا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا، وَجَعَلَ يُحَرِّضُ النَّاسَ.
وَانْقَسَمَ النَّاسُ إلى قِسْمَيْنِ، فَرِيقٌ يَرَى أَنَّ الْخُرُوجَ إِنَّمَا كَانَ لإِنْقَاذِ العِيرِ، وَقَدْ نَجَّاهَا اللهُ، فلا مَعْنَى إِذًا لِلسَّيْرِ، وَفَرِيقٌ يَرَى رَأْيَ أَبِي جَهْل، فَيَدْعُو إلى مُواصَلَةِ السَّيْرِ، وَكَانَ من الفريقِ الأَوَّلِ بَنُوا عَدِيٍّ، وَبَنُوا زَهْرَةَ، وَمِمَّنْ أَشَارَ بِالرُّجُوعِ الأَخْنَسُ بنُ شَرِيْقٍ فَعَصَوْهُ فَرَجَعَ هُوَ وَبَنُوا زَهْرَةَ فَلَمْ يَشْهدْ بَدْرًا زُهْرِيُّ، فَاغْتَبَطَتْ بَنُوا زَهْرَةَ بَعَدَ ذَلِكَ بِرَأْي الأَخْنَسِ، فَلَمْ يَزَلْ فِيهِمْ مُطَاعًا مُعَظَّمًا، وَأَمَّا الفَرِيقُ الثَّانِي فَقَدْ وَاصَلُوا السَّيْرَ تَحْتَ ضَغْطِ أَبِي جَهْلٍ وَشِيعَتِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَسِيرُ عَلَى غَيْرِ مَا يَرَى مِنَ الرَّأْيِ، وَمَا يُضْمِرُ مِنَ العَقِيدَةِ، إِنَّمَا يَسِيرُ تَحْرُّجًا، وَمَدَارَاةً لِسَفَاهَةِ السُّفَهَاءِ، وَمَا زَالُوا يَسِيرونَ وَيَنْحَرُونَ، وَيُطْمِعُونَ، وَيَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَيُغَنُّونَ وَيُصَفِّقُونَ وَيُعَلِنُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِكُلِّ الوسَائلِ وَالدِّعَايَاتِ، حَتَّى وَصَلُوا إِلى وَادِي بَدْر، فَنَزَلُوا بالعُدْوَةِ القُصْوَى. اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا إِذَا عَرِقَ الْجَبينُ وكَثُرَ الأنينُ وأَيِسَ مِنَّا الْقَريبُ والطبيبُ وَبكى عَلَيْنَا الصديقُ والحبيبُ وَارحَمْنَا يَا مَولانَا إِذَا وَارانَا التُّرابُ وَوَدَّعَنَا الأحْبَابُ وَفَارَقْنَا النَّعِيمَ وانقطَع عَنَّا النَّسِيم، وَاغْفِرْ لَنَا ولِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ الوَاسِعَةِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute