ثُمَّ جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ فِي عُصَابَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَاطَلَّعَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنِ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي بُرْدَةٍ لَهُ مَرْقُوعَةٍ، فلمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ وَرَأىَ حَالَهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهَا فَذَرِفَتْ عَيْنَاهُ، فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا غَدَا أَحَدُكُمِ فِي حُلَّةٍ وَرَاحَ فِي أُخْرَى، وَسُتِرَتْ بِيوتَكْمْ كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةَ قُلْنَا نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خُيْرٌ نُكْفَى الْمُؤْنَةَ، وَنَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ. قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْكُمْ يَوْمئِذٍ» . وَاللهُ أَعْلَمُ.
اللَّهُمَّ أَنْظِمْنَا فِي سِلْكِ الْفَائِزِينَ بِرِضْوَانِكَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ أَعْدَدْتَ لَهُمْ فَسِيحَ جَنَّاتِكَ، وَأَدْخِلْنَا بِرَحْمَتِكَ فِي دَارِ أَمَانِكَ وَعَافِنِا يَا مَوْلانَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة مِنْ جَمِيعِ الْبَلايَا وَأَجْزِلْ لَنَا مِنْ مَوَاهِبِ فَضْلِكَ وَهِبَاتِكَ وَمَتِّعْنَا بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ الْكَرِيمِ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
" فَصْلٌ ": قِصْةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةِ السَّهْمِيّ مَعَ مَلِكِ الْفُرْسِ مَشْهُورَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي السُّنَّةِ السَّادِسَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ حِينَ عَزَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبْعَثَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِكُتُبٍ إِلَى مُلُوكِ الأَعَاجِمِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ.
وَلَقَدْ كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُقَدِّرُ خُطُورَةَ هَذِهِ الْمُهِمَّةَ فَهَؤُلاءِ الرُّسُلِ سَيَذْهَبُونَ إِلَى بِلادٍ نَائِيَةٍ لا عَهْدَ لَهُمْ بِهَا مِنْ قَبْلُ، يَجْهَلُونَ لُغَاتِهِمْ وَلا يَعْرِفُونَ شَيْئًا عَنْ أَخْلاقِ مُلُوكِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ سَيَدْعُونَ هَؤُلاءِ إِلَى تَرْكِ مَا عَلَيْهِ آبَاؤهُمْ وَالدُّخُولِ فِي دِينِ الإِسْلامِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الإِلْحَادِ وَالْكُفْرِ.
إِنَّهَا رِحْلَةٌ خَطِيرَةٌ الذَّاهِبُ إِلَيْهَا مَفْقُودٍ، وَالْعَائِدُ مَنْهَا مَوْلُودٌ، لِذَلِكَ جَمَعَ الْمُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - أَصْحَابَهُ وَقَامَ فِيْهِمْ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَتَشَهْدَ ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute