للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ كُلَّمَا دَخَلَ عُمَرُ فِي الأُمُورِ عَلَى بَيِّنَةٍ اقْتَحَمَهَا عَبْدُ الْمَلِكِ قَوِيًّا مُسْتَعْجِلاً وَقَدْ أَثَّرَ عَلَى أَبِيهِ وَزَادَ فِي وَرَعِهِ وَتَنْجِيزِهِ لِلأُمُورِ وَدَخَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَوْمًا عَلَى أَبِيهِ وَكَانَ عِنْدَهُ عَمُّهُ مَسْلَمَةُ فَطَلَبَ إِلى أَبِيهِ أَنْ يُخْلِيهِ بِهِ فَقَالَ: أَسِرٌّ دُونَ عَمِّكَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَامَ مَسْلَمَةُ وَجَلَسَ عَبْدُ الْمَلِكِ بَيْنَ يَدَيْ أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ غَدًا إِذَا سَأَلَكَ فَقَالَ: رَأَيْتَ بِدْعَةً لَمْ تُمِتْهَا أَوْ سُنَّةً لَمْ تُحْيِهَا فَقَالَ عُمَرُ: يَا بُنَيَّ أَشَيْءٌ حَمَلَكَ أَمْ رَأْيٌ رأَيْتَهُ قَالَ: لا وَاللهِ وَلَكِنْ رَأْيٌ رَأَيْتُهُ مِنْ نَفْسِي عَرَفْتُ أَنَّكَ مَسْؤُلٌ فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ.

قَالَ أَبُوهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ يَا بُنَيّ وَيَجْزِيكَ مِنْ وَلَدٍ خَيْرًا فَوَاللهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِن الأَعْوَانِ عَلَى الْخَيْرِ يَا بُنَيَّ إِنَّ قَوْمَكَ شَدُّوا هَذَا الأَمْرَ عُقْدَةً وَعُرْوَةً وَمَتَى مَا أُرِيدَ مُكَابَرَتَهُمْ عَلَى انْتِزَاعِ مَا فِي أَيْدِيهمْ لَمْ آمَنْ أَنْ يَفْتِقُوا عَلَيَّ فَتْقًا تَكْثُر فِيهِ الدِّمَاءُ وَاللهِ لِزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يُهْرَاق فِي سَبَبِي مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمْ أَوْ مَا تَرْضَى أَلا يَأْتِي عَلَى أَبِيكَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا إِلا وَهُوَ يُمِيتُ فِيهِ بِدْعَةً وَيُحْيِي فِيهِ سُنَّةً حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرَ الْحَاكِمِينَ.

وَلَمْ يَزَلْ عَبْدُ الْمَلِكِ بِأَبِيهِ حَتَّى صَارَ لا يُبْرِمُ أَمْرًا فِي الْمَظَالِمِ دُونَ رَأْيِهِ قَالَ مَيْمُونُ بنُ مَهْرَانْ: بَعَثَ إِلَيَّ عُمَرُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِلى مَكْحُول وَإِلى أَبِي قِلابَةَ فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ فِي هَذِهِ الأَمْوَالِ الَّتِي أُخِذَتْ مِنَ النَّاسِ ظُلْمًا فَقَالَ مَكْحُول يَوْمَئِذٍ قَوْلاً ضَعِيفًا كَرِهَهُ عُمَر قَالَ: أَرَى أَنْ تُسْتَأْنَف فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَيَّ كَالْمُسْتَغِيثِ بِي فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ابعْثَ ْإلى ابْنِكَ عَبْدِ الْمَلِكِ فَأَحْضِرْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِدُونِ مَنْ رَأَيْت.

وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ قَدْ تَفَقَّهَ وَدَرَسَ حَتَّى صَارَ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ ثُمَّ زَهِدَ قَالَ مَيْمُون: فَقَالَ عُمَرُ: يَا حَارِثُ ادْعُ لِي عَبْدُ الْمَلِكِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ الْمَلِكِ مَا تَرَى فِي هَذِهِ الأَمْوَال الَّتِي أُخِذَتْ مِنَ النَّاسِ ظُلْمًا وَقَدْ حَضَرُوا يَطْلُبُونَهَا وَقَدْ عَرَفْنَا مَوَاضِعَهَا قَالَ: أَرَى أَنْ تَرُدَّهَا فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ كُنْتَ شَرِيكًا لِمَنْ أَخَذَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>