للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَمْ كشف للسامعين عَنْ حَقِيقَة الدُّنْيَا وبين لَهُمْ قصر مدتها وانقضاء لذتها بما يضرب من الأمثال الحسية، قَالَ تَعَالَى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَة عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} . قَالَ بَعْضُهُمْ:

مَيَّزْتَ بَيْنَ جَمَالِهَا وَفِعَالِهَا ... فَإِذَا الْمَلاحَةُ بِالْقَبَاحَةِ لا تَفِي

حَلَفَتْ لَنَا أن لا تَخُونَ عُهُودَنَا ... فَكَأَنَّهَا لَنَا أَنْ لا تَفِي

آخر: ... أَلا إِنَّمَا الدُّنْيَا غَضَارَةٌ أَيْكَةٍ ... إِذَا اخْضَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ جَفَّ جَانِبُ

هِيَ الدَّارُ مَا الآمَالُ إِلا فَجَائِعًا ... عَلَيْهَا وَمَا اللَّذَاتُ إِلا مَصَائِبُ

فَكَمْ سَخِنَتْ بِالأَمْسِ عَيْنٌ قَرِيرَةٌ ... وَقَرَّتْ عُيُونٌ دَمْعُهَا الآنَ سَاكِبُ

فَلا تَكْتَحِلْ عَيْنَاكَ مِنْهَا بِعبرةٍ ... عَلَى ذَاهِب مِنْهَا فَإِنَّكَ ذَاهِبُ

آخر: ... لِلْمَوْتِ فِينَا سِهَامٌ غَيْرُ مُخْطِئَةً ... مَنْ فَاتَهُ الْيَوْمَ سَهْمٌ لَمْ يَفُتْهُ غَدَا

مَا ضَرَّ مَنْ عَرَفَ الدُّنْيَا وَغَدرَتَها ... أَنْ لا يُنَافِسَ فِيهَا أَهْلَهَا أَبَدَا

آخر: ... لَحَى الله ذِي الدُّنْيَا مَرَادًا وَمَنْزِلاً ... فَمَا أَغْدَرَ الْمَثْوَى وَمَا أَوْبَأ الْمَرْعَى

تَدَلَّلُ كَالْحَسْنَاءِ فِي حُسْنِ وَجْهِهَا ... وَلَكِنَّهَا فِي قُبْح أَفْعَالِهَا أَفْعَى

نَرَى أَنَّنَا نَسْعَى لِخَيْرٍ نَنَالُهُ ... وَقَدْ وَطِئَتْ أَقْدَامُنَا حَيَّةً تَسْعَى

" فَصْلٌ "

شرح لَنَا العليم الحكيم فِي هَذِهِ الآيَة المتقدمة حال الدُّنْيَا التي إفتتن النَّاس بها الَّذِينَ قصر نظرهم وبين أنها من محقرات الأمور التي لا يركن إليها العقلاء فضلا عَنْ الافتنان بها والانهماك فِي طلبها وقتل الوَقْت فِي تحصيلها بأنها لعب لا ثمرة فيه سِوَى التعب، ولهو تشغل صاحبها وتلهيه عما ينفعه فِي آخرته،

<<  <  ج: ص:  >  >>