وزينة لا تفيد المفتون بها شرفًا ذاتيًا كالملابس الجميلة والمراكب البهية والمنازل الرفيعة الواسعة، وتفاخر بالأنساب والعظام البالية ومباهات بكثرة الأموال والأولاد وعظم الجاه.
ثُمَّ أشار جل شأنه إلى أنها مَعَ ذَلِكَ سريعة الزَوَال، قريبة الاضمحلال، كمثل غيث راق الزراع نباته الناشئ به، ثُمَّ يهيج ويتحرك وينمو إلى أقصى مَا قدره الله لَهُ فسرعان مَا تراه مصفرًا متغيرًا ذابلاً بعدما رأيته أخضر ناضرًا، ثُمَّ يصير من اليبس هَشِيمًا متكسرًا، ففيه تشبيه جميع مَا فِي الدُّنْيَا من السنين الكثيرة بمدة نبات غيث واحد يفنى ويضمحل ويتلاشى فِي أقل من سنة.
إشارة إلى سرعة زوالها وقرب فنائها، وبعد مَا بين جَلَّ وَعَلا حقارة الدُّنْيَا وسرعة زوالها تزهيدًا فيها، وتنفيرًا وتحذيرًا من الانهماك فِي طلبها أشار إلى فخامة شأن الآخِرَة وفظاعة مَا فيها من الآلام وعظم مَا فيها من اللذات ترهيبًا من عذابها الأَلِيمِ، وترغيبًا فِي تحصيل النَّعِيم الْمُقِيم والعيش السَّلِيم مِمَّا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وَالنَّاسُ فِيهَا قسمان فطناء قَدْ وفقهم الله فعلموا أنها ظِلّ زائل ونعيم حائل وأضغاث أحلام، بل فهموا أنها نعم فِي طيها نقم، وعرفوا أنها حياة فانية، وأنها معبر وطَرِيق إلى الحياة الباقية، فرضوا مَنْهَا باليسير، وقنعوا مَنْهَا بالقليل، فاستراحت قُلُوبهمْ من همها وأحزانها واستراحت أبدانهم من نصبها، وعنائها، وسلم لَهُمْ دينهم، وكَانُوا عِنْدَ الله هم المحمودين، فَلَمْ تشغلهم دنياهم عَنْ طاعة مولاهم.
جعلوا النفس الأخَيْر وَمَا وراءه نصب أعينهم، وتدبروا ماذا يكون مصيرهم، وفكروا كيف يخرجون من الدُّنْيَا، وإيمانهم سالم لَهُمْ وَمَا الَّذِي يبقى معهم مَنْهَا فِي قبورهم، وَمَا الَّذِي يتركونه لأعدائهم فِي الدُّنْيَا، ومن لا يغنيهم من الله شَيْئًا {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ} ، {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً} ،