للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أذقنا برد عفوك وحلاوة مغفرتك واغفر لنا وَلِوالدينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلمين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

(فَصْلٌ)

قال شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللهُ: والظلم لا يباح بحال حتى أن الله تَعَالَى قَدْ أوجب على الْمُؤْمِنِين أن يعدلوا على الكفار في قوله: {كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} والْمُؤْمِنِين كَانُوا يعادون الكفار بأمر الله فَقَالَ تَعَالَى: {لا يحملنكم بغضكم للكفار على أن لا تعدلوا بل اعدلوا عَلَيْهمْ فإنه أقرب للتقوى} وحينئذ فهؤلاء المشركين لَيْسَ لبَعْضهمْ أن يفعل ما به يظلم غيره بل إما أن يؤدي قسطه فيكون محسنًا ولَيْسَ له أن يمتنع عن أداء قسطه من ذَلِكَ الْمَال امتناعًا يؤخذ به قسطه من سائر الشركاء فيتضاعف الظلم عَلَيْهمْ.

فإن الْمَال إذا كَانَ يؤخذ لا محالة وامتنع بجاهٍ أو رشوةٍ أو غيرهما كَانَ قَدْ ظلم من يؤخذ منه القسط الَّذِي يخصه، ولَيْسَ هَذَا بمنزلة أن يدفع عن نَفْسهُ الظلم من غير ظلم لغيره فإن هَذَا جائز مثل أن يمتنع عن أداء ما يخصه، فلا يؤخذ ذَلِكَ منه ولا من غيره.

وهَذَا كالوظائف السلطانية التي توضع على القرى، مثل أن يوضع عَلَيْهمْ عشرة آلاف درهم فيطلب من له جاه بأمرةٍ أو مشيخةٍ أو رشوةٍ أو غير ذَلِكَ أن لا يخذ منه شيء وهم لا بد لهم من أخذ جميع المال وإذا فعل ذلك أخذ ما يخصه من الشركاء فيمتنع من أخذ ما ينوبه ويؤخذ من سائر الشركاء فإن هَذَا ظلم منه لشركائه لأن هَذَا لم يدفع الظلم عن نَفْسهُ إِلا بظلم شركائه وهَذَا لا يجوز.

<<  <  ج: ص:  >  >>