للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" فَصْلٌ ": إِذَا فَهِمْتَ ذَلِكَ فاعْلَمْ أَنَّ الإِخَاءَ فِيْمَا مَضَى غَالِبًا بَيْنَ الأَخَوَيْنِ كَانَ أَحَدُهُمْ يَعْتَمِدُ على الله ثُمَّ عَلَى أَخِيْهِ، وَيَطْمِئِنَ إِلَيْهِ، فِي مَهَامِهِ كُلّ الإطْمِئْنَانِ، كَانَ أَحَدُهُمْ يُؤآخِي أَخَاهُ على الصَّفَاءِ بَيْنَهُمْ وَالْحَنَانِ، كَأنَ الأَخَ نفس أخيه وربما زاد عنه في القيام بشئونه مرات، كان الأخ لا يؤآخي إلا إِذَا أَحَبَّ لأَخِيْهِ مَا يُحِبُ لِنَفْسِهِ.

وكَانَ أَحَدُهُمْ يَدْخُلُ بَيْتَ أَخِيْهِ بِحَضْرَتِهِ وَيَأْخُذُ مِنْ خِزَانَتِه مَا يُرِيْدُ، كَانَ أحدُهم إِذَا سَأَلَ أَخَاهُ مَا هُو محتَاجٌ إِلَيْهِ أَنَبَ نَفْسه إِذْ أَهْمَلَهُ حَتَّى أَفْصَحَ هُوَ عَنْ حَاجَاتِه، كَانَ بَعْضُهُمْ يُلاحِظُ بَعْضًا فَإذَا رَأَى فُرْجَةً سَدَّهَا وَوَجْهُ أَخِيْهِ غَيْرُ مَبْذُولٍ.

كَانَتْ الصُّحْبَةُ أَوْلاً صَافِيةً وَكَانَ الْحُبُ للهِ مَا فِيْهِ شَائبةٌ، أَوْ طَمَعٌ مِن الأطماعِ، وَحَيْثُ أَنَّ الصَّاحِب هُو الْعَضُدَ الأَقْوَى، وَالسَّاعِد الأَيْمَن لِلْمَرْءِ فِي حَيَاتِهِ وَمَا يَنْتَابُهُ فِي مُلِمَّاتِِهِ فَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَخْتَارَ أصحابَهُ وَيَنْتَقِيَ جُلَسَاءَهْ وَيَنْتَخِبَهُمْ مِن ذَوِي السِّيْرَةِ الْمَحْمُوْدَةِ والعقل الرَّاجِحِ، وَالرَّأْيُ السَّدِيدِ، والدَِين الْمَتِين، وَلْيَحْذَرْ مِنْ مؤاخاةِ مَن لا يَصْلَحُ للأخوةِ، ولا يُرَاعِي حقَّ الْوِدَادَ وآدابِ الْمُجَالَسَةِ والْمَحَادَثَةِ.

وَأوْصَى بَعْضُهُمْ ابنَهُ لَمَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقَالَ: يَا بُنِيَ إِذَا أَرْدَتَ صِحْبَةَ إنسانٍ فاصْحَبْ مَن إِذَا خَدَمْتَه صَانَكَ، وإن صَحِبْتَهُ زَانَكَ، اصحبْ مَنْ إِذَا مدَدْتَ يَدَكَ للخَيْرِ مَدَّهَا، وإن رَأى منكَ حَسَنَةً عَدَّهَا، وإن رَأَى منكَ سَيِّئَةً سَدَهَا.

اصْحَب مَن إِذَا حَاوَلْتَ أَمْرًا أَعَانَك، وَنَصَرَكَ، وإن تَنَازَعْتُمَا فِي شَيْء آثَرَكَ، فَإِنْ يَسَّرَ اللهُ لََكَ بِصَاحبٍ مِن هَذَا الطِّرَازِ فاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِه. قَالَ الإِمَامُ الشَّافعي رَحِمَهُ اللهُ: لَوْلا القِيَامُ بالأسحار، وَصُحْبَةُ الأخيار، ما اخْتَرْتُ البَقَاءَ فِي هَذِهِ الدَّارِ. وَقَالَ بَعْضُ الأُدَبَاءِ: أَفْضَلُ الذَّخَائِرِ أَخٌ صَاحبُ وفَاءٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>