للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

فَلَمَّا الْتَقَى الْجَمْعَانِ، بَدَأَ أَبُو سُفْيَانَ خُطَّةَ التَّخْذِيلِ، بَيْنَ الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ، فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، خَلُّوا بَيْنَ وَبَيْنَ عَمِّنَا وَنَنْصَرِفُ عَنْكُمْ، فَذَهَبَ نِدَاؤُهُ صَرْخَةً فِي الْفَضَاءِ.

فَأَعْقَبَهُ أَبُو عَامِرٍ الْفَاسِقُ، فَبَرَزَ بَيْنَ الصُّفُوفُ يُنَادِي قَوْمَهُ الأَوْسَ: يَا لَلأَوْسِ إِليَّ إِليَّ، فَمَا كَانَ جَوَابُهُ مِنْهُمْ إِلا اللَّعْنَ وَالسَّبِّ وَالشَّتْمَ وَالرَّمِيَ بِالْحِجَارَةِ وَالطَّرْدِ حَتَّى وَلَّى مُخْتَزِيًا خَجْلانَ، يَقُولُ: لِقُرَيْشٍ لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِي بَعْدِي شَرٌّ.

وَأَخْفَقَتْ خُطَّةُ التَّخْذِيلِ، كَمَا أَخْفَقَتْ خُطَّةُ الْمُفَاجَأَةِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْقِتَالِ مَفَرٌّ، وَهُنَا حَاوَلَتْ قُرَيْشٌ أَنْ تُطَوِّقَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَضُمُّ عَلَيْهِمْ جَنَاحَيْهَا بِحَرَكَةِ الْتِفَافٍ سَرِيعَةٍ.

فَتَحَرَّكَ لِوَاءُ عِكْرَمَةَ مِنَ الْمَيْسَرَةِ، يُرِيدُ أَنْ يَدُورَ حَوْلَ عَسْكَرِهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ ذَلِكَ.

فَحَاوَلَ مِثْلَهُ خَالِدُ بنُ الْوَلِيدِ مِنْ الْمَيْمَنَةِ، فَأَمْطَرَهُ الرُّمَاةُ وَابِلاً مِنَ النِّبَالِ، َفارْتَدَّتْ الْخَيْلُ عَلَى أَعْقَابِهَا مُسْرِعَةً.

فَعَادَ الْكُفَّارُ إِلى أَمَاكِنِهِمْ كَمَا كَانُوا أَوَّلاً وَبَدَأ الْقِتَالُ بِالْمُبَارَزَةِ. فَخَرَجَ مِنْ صُفُوفُ الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ يَطْلُبُ الْمُبَارَزَةَ، فَبَرَزَ لَهُ الزُّبَيْرُ بنُ الْعَوَّامِ، فَقَتَلَهُ، فَسُرَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ ? وَكَبَّرَ فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ.

وَشَدُّوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَهُمْ يَتَصَايَحُونَ صَيْحَةَ الْحَرْبِ، (أَمِتْ أَمِتْ) فَهَجَمَ عَلِيَّ بن أَبِي طَالِبٍ عَلَى حَامِلِ لِوَائِهِمْ طَلْحَةِ بن أَبِي طَلْحَة فَقَتَلَهُ، فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ، وَسُرَّ النَّبِيِّ ? بِقَتْلِهِ، فَإِنَّهُ هُو كَبْشُ الْكَتِيبَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>