الذِي وَقَفَتْ عِنْدَهُ قُرَيْشٍ، كَمَا أَنَّ تَعَرجَاتِ الأَرْضِ جَعَلَتْ فِي انْحِدَارِهِ فَجَوَاتٍ، تُشْبِهُ الْحُفَرَ، تَصْلُحُ للإخْتِفَاءِ فِي الْحَرْبِ الدِّفَاعِيَّةِ، لِقَذْفِ النِّبَالِ.
فَنَزَلَ رَسُولِ اللهِ ? فِي شَعبٍ عَلَى عُدْوَةِ الْوَادِي، إِلى جَانِب تلٍّ مُشْرِفٍ، يُقَالُ لَهُ: جَبَلُ عَيْنَيْن، وَهُنَاكَ أَخَذَ ? يَصُفُ أَصْحَابَهُ، وَيُعْبِئُهُمْ لِلْقِتَالِ، فَجَعَلَ ظُهُورَهُمْ إِلى الْجَبَلِ بِحَيْثُ يَحْتَمُونَ بِهِ مِنْ خَلْفِهِمْ وَجَعَلَ وَجُوهَهُمْ إِلى الْمَدِينَةِ، بِحَيْثُ يَسْتَقْبِلُونَ الْوَادِي، وَيُشْرِفُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَعْلاهُ وَجَعَلَ خَمْسِينَ مِن الرُّمَاةِ عَلَى جَبَل عَيْنَيْن.
وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ بن جُبَيْرِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْمُوا ظُهُورَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْقِتَالِ، وَأَنْ لا يُمَكِّنُوا الْعَدُوِّ مِن اقْتِحَامِ هَذَا الْحِصْنِ، وَأَنْ لا يَبْرَحُوا مَكَانَهُمْ هَذَا، سَوَاءٌ أَكَانَ النَّصْرُ لِلْمُسْلِمِينَ أَمْ عَلَيْهِمْ.
ثُمَّ عَلَّمَهُمْ أَنْ يَنْضَحُوا الْخَيْلَ كُلَّمَا أَقْبَلَتْ نَحْوَهُمْ بِالنَّبْلِ، وَأَكَّدَ الْوَصِيَّةَ عَلَيْهِمْ أَنْ لا يُغَادِرُوا مَوَاضِعَهُمُ، وَإِنْ رَأَوْا أَصْحَابَهُمْ تَتَخَطَّفُهُمْ الطَّيْرُ.
فَلَمَّا انْتَهَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَعْدِيلِ الصُّفُوفِ، وَإِعْدَادِ الْمَوَاضِعِ، خَطَبَ فِي النَّاسِ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى الصَّبْرِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ لا يَبْدَءُوا بِقِتَالٍ حَتَّى يُؤَاذِنَهُمْ، وَبَيْنَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْتَغِلاً بِصَفِّ جُنُودِهِ ظَهَرَ الْقُرَشِيُّونَ فِي السَّهْلِ الْمُنْبَسِطِ، تَحْتَ التَّلِّ، وَصَارَ الْجَيْشَانِ وَجْهًا لِوَجْهٍ.
وَظَهَرَتْ نِسَاءُ قُرَيْشٍ، يَمْشِينَ بَيْنَ الصُّفُوفُ، وَيَضْرِبْنَ بِالدُّفُوفِ وَيُنْشِدْنَ الأَنَاشِيدِ، تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ، وَإِثَارَةَ لِلْحَمِيَّةِ بَيْنَ الرِّجَالِ.
اللَّهُمَّ نَجّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ النَّارِ وَعَافِنَا مِنْ دَارِ الْخِزْيَ وَالْبَوَارِ، وَأَدْخِلْنَا بفَضْلِكَ الْجَنَّةَ دَارَ الْقَرَارِ وَعَامِلْنَا بِكَرَمِكَ وَجُودِكَ يَا كَرِيمُ يَا غَفَّارُ، وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute