للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطعام ولم يخلق لك في الطبع شوقًا إليه وشهوة له تستحثك على الحركة لكان البصر معطلاً فكم من مريض يرى الطعام وهو أنفع الأشياء له ولا يقدر على تناوله لعدم الشهوة له فخلق الله لك شهوة الطعام وسلطها عليك كالمتقاضي الذي يضطر إلى تناول الغذاء.

ثم هذه الشهوة لو لم تكن عند أخذ مقدار الحاجة من الطعام لأسرفت وأهلكت نفسك فخلق لك الكراهة عند الشبع لتترك الأكل بها، وكذلك القوة في الشهوة للوقاع لحكمة بقاء النسل.

ثم خلق لك الأعضاء التي هي آلات الحركة في تناول الغذاء وغيره، منها اليدان وهما مشتملتان على مفاصل كثيرة لتتحرك في الجهات وتمتد وتنثني ولا تكون كخشبة منصوبة.

ثم جعل رأس اليد عريضًا وهو الكف وقسمة خمسة أقسام وهي الأصابع وتمد الأصابع وجعلها مختلفة في الطول والقصر ووضعها في صفين بحيث يكون الإبهام في جانب ويدور على الأصابع البواقي ولو كانت مجتمعة متراكمة لم يحصل تمام الغرض.

ثم خلق لها أظفارًا وأسند إليها رؤوس الأصابع لتقوى بها ولتلتقط بها الأشياء الدقيقة التي لا تحويها إلا الأصابع ثم هب أنك أخذت الطعام باليد فلا يكفيك حتى يصل إلى باطنك فجعل لك الفم واللحيين خلقهما من عظمين وركب فيهما الأسنان وقسمها بحسب ما يحتاج إليه الطعام فبعضهما قواطع كالرباعيات وبعضها يصلح للكسر كأنياب وبعضها طواحن كالأضراس.

وجعل اللحي الأسفل متحركًا حركة دورية واللحي الأعلى ثابتًا لا يتحرك فانظر على عجيب صنع الله تعالى الذي أتقن كل شيء وأن كل رحى صنعها الخلق يثبت منها الحجر الأسفل ويدور الأعلى إلا هذه الرحى التي هي صنع الله سبحانه وتعالى فإنه يدور منها الأسفل على الأعلى إذ لو دار الأعلى خوطر بالأعضاء الشريفة التي يحتوي عليها.

ثم انظر كيف أنعم عليك بخلق اللسان فإنه يطوف في جوانب الفم ويرد الطعام من الوسط إلى الأسنان بحسب الحاجة كالمجرفة التي ترد الطعام إلى الرحى هذا مع ما فيه من عجائب

<<  <  ج: ص:  >  >>