لا في الأرضِ ولا في السماءِ، إن الْمُرَائِيَ مَهْمَا أَخْفَى رِيَاءَهُ يُظْهِرُ اللهُ تعالى ما فِي قَلْبِهِ لِلْعَالِمِينَ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ يَعْمَلُ فِي صَخْرَةٍ لَيْسَ لَهَا بَابٌ وَلا منفذٌ لأَخَرَجَ الله عَمَلُهُ لِلنَّاسِ كَائِنًا مَا كَانَ» .
وَلِذَلِكَ يَكُونُ لأعمالِ الْمُرَائِي مِن السَّمَاجَةِ في نُفُوسِ الناسِ مَالاً يَحْكِيهِ اللَّسَانُ وَلِهَذَا يَكُونُ مَرْذُولاً ثَقِيلاً عِنْدَ النَّاسِ، وَمِنْ هَذَا تَرَاهُ يَتَوَدَّدُ إلى النَّاسِ وَيَضْحَكُ إِلَيْهِمْ وَنُفُورُهُمْ عنه عِبْرَةٌ عند العقلاء، ثم هو عندَ اللهِ أَسْوأُ حَالاً خصوصًا في اليومِ الذي يَشِيبُ فيه الأطفالُ فقد يُُؤْمَرُ بِهِ إِلى النَّارِ وَلَهُ مِنَ الأَعْمَالِ أَمْثَالَ الْجِبَالِ لكنَّهَا لِمَّا لَمْ يُرْد بِهَا وَجْهَ اللهِ خَالِصَةً صَارَتْ وَبالاً عَلَيْهِ نَعوذُ باللهِ مِن الرِّيَاءِ.
وَقَدِّم أَحاديثَ الرَسولِ وَنَصُّهُ ... عَلى كُلِّ قَولِ قَد أتى بِإِزّائِهِ
فَإِن جاءَ رأيٌ لِلحَديثِ مَعارِضًا ... فَلِلرّأي فَاِطرَح وَاِستَرِح مِن عَنائِهِ
فَهَل مَعَ وُجودِ البَحرِ يَكفي تَيِّمِمٌّ ... لِمَن لَيسَ مَعذورًا لدى فُقَهائِهِ
وَهَل يوقِدُ الناسُ المَصابيحَ لِلضِيا ... إِذا ما أَتى ردأ الضُحى بِضِيائِهِ
سَلامي عَلى أَهلِ الحَديثِ فَإِنَّهُم ... مَصابيحُ عِلمٍ بَل نُجومُ سَمائِهِ
بِهِم يَهتَدي مَن يَقتَدي بَعُلومِهِم ... وَيَرقى بِهِم ذو الداءِ عِلَّةِ دائِهِ
وَيَحيى بِهِم مَن ماتَ بِالجَهلِ قَلبَهُ ... فَهُم كَالحَيا تُحي البِقاعِ بِمائِهِ
لَهُم حَللٌّ قَد زَيَّنَتْهُمْ مِنَ الهُدَى ... إِذا مَا تَرَدَّى ذُو الرَدَى بِرِدائِهِ
وَمَن يَكُن الوَحيَ المَطَهَّرُ عَلَمَهُ ... فَلا رَيبَ في تَوفيقِهِ وَاِهتِدائِهِ
وَما يَستَوي تالي الحَديثِ وَمَن تَلا ... زَخارِفَ مِن أَهوائِهِ وَهَذائِهِ
وَكُن راغِباً في الوَحيَ لا عَنهُ راغِباً ... كَخابِطِ لَيلٍ تائِهٍ في ردُجائِهِ
إِذا شامَ بَرقَ في سَحابٍ مَشى بِهِ ... وَإِلا بقي في شَكَّهِ وَاِمتِرائِهِ
وَمَنْ قَالَ ذَا حِلٌّ وهَذَا مُحَرَّمٌ ... غير دَليلٍ. فهو مَحْضُ افترائِهِ