القسم الخامس: المراؤون بالهيئة والزي فتري الواحد من هؤلاء يتكلف الْعَمَل عَلَى نحول بدنه واصفرار وجهه كي يظهر بمظهر العابد الَّذِي أضناه وأنهكه السهر وانحل جسمه الصوم وَمِنْهُمْ من يتكلف خفض صوته أو يلبس ثوباً يختلف عن أثواب أهله وبني جنسه ليلفت أنظار النَّاس إليه هَذَا النوع من الرياء سخيف جداً لا يتأثر به إلا ضعاف العقول صغار النُّفُوس وكل هؤلاء من شرار النَّاس الَّذِينَ يجب عَلَى النَّاس أن يحذروا مِنْهُمْ ويمقتوهم ولا يبالوا بِهُمْ ولا بحليهم وأزيائهم.
ثُمَّ اعْلم: أن النِّيْة عَلَيْهَا مدار عَظِيم مدار الثواب والعقاب فإن المرء يتحدث بعمله الصالح أو يظهره ليكون قدوة صَالِحَة لهُمْ ومثإلا حسناً يقتدون به لا يريد بذَلِكَ إلا وجه الله وابتغاء مرضاته بنشر الفضيلة وإحيائها بين النَّاس من غَيْرَ أن ينظر إلي مدحهم لَهُ وذمهم لَهُ فلا يثنيه شَيْء عن عمل الصالحات ولا يغريه عَلَيْهَا رضاء أحد من النَّاس عَلَى أن يكون يقظاً نبيهاً لا يجعل للغرور والعجب إليه سبيلاً فإن عمله عَلَى ذَلِكَ الوجه الحسن لا يكون رياءً بل ربما يكون مستحباً إن تأكد من اقتداء النَّاس به فِي عمله الصالح وكَذَلِكَ تنظر الشريعة الإسلامية الكريمة إلي جَمِيع الأعمال فإن ترتب عَلَى الْعَمَل فسادٌ كانَ مذموماً وإن ترتب عَلَيْهِ صلاحٌ كَانَ ممدوحاً فجَمِيع أحكامها مبنية عَلَى جلب المصالح ودرء المفاسد وكلها ترمي إلي تهذيب النُّفُوس وتطهير