لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى وَآلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
(فَصْلٌ)
وَوَقَفَ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمًا عَلَى مَنْبَرِهِ بَعْدَ أَنْ قَطَعَ الْعَطَايَا المالية عَنْ أَفْرَادِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو مُسْلِمُ الْخَوْلانِي فَقَالَ: لا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ يَا مُعَاوِيَةُ. قَالَ مُعَاوِيَة: وَلِمَ يَا أَبَا مُسْلِم فَقَالَ يا مُعَاوِيَةُ: كَيْفَ تَمْنَعُ الْعَطَا وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَدِّكَ وَلا كَدِّ أَبِيكَ وَلا مِنْ كَدِّ أُمِّكَ.
فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ وَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ وَقَالَ لِلْحَاضِرِينَ: مَكَانَكُمْ. وَغَابَ سَاعَةً عَنْ أَعْيُنِهِمْ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ اغْتَسَلَ فَقَالَ: إِنَّ أَبَا مُسْلِمْ كَلَّمَنِي بِكَلامٍ أَغْضَبَنِي وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ? يَقُولُ: «الْغَضَبُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَالشَّيْطَانُ خُلِقَ مِنَ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْتَسِلْ» . وَإِنِّي دَخَلْتُ فَاغْتَسَلْتُ وَصَدَقَ أَبُو مُسْلِم إِنَّهُ مِنْ كَدِّي وَلا مِنْ كَدِّ أَبِي فَهَلمُّوا إِلى عَطَائِكُم.
وَبِالتَّالِي فَإِلَيْكَ صِفَةُ الإِمَامِ الْعَادِل: كَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمَّا وَلِيَ الْخِلافَةَ إِلى الْحَسَنِ الْبَصَرِي لِيُخْبِرَهُ عَنْ صِفَةِ الإِمَامِ الْعَادِل فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَسَن اعْلَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ اللهَ جَعَلَ الإِمَامَ الْعَادِلَ قِوّامَ كُلِّ مَائِلِ وَقَصْدَ كُلِّ جَائِرٍ وَصَلاحَ كُلِّ فَاسِدٍ وَقُوَّةَ كُلِّ ضَعِيف وَنَصَفَةَ كُلِّ مَظْلُوم وَمَفْزَعَ كُلِّ مَلْهُوف وَالإِمَامُ الْعَادِل يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَالرَّاعِي الشَّفِيقِ عَلَى إِبْلِهِ الرَّفِيقِ بِهَا الَّذِي يَرْتَادُ لَهَا أَطْيَبَ الْمَرْعَى وَيَذُودُهَا عَنْ مَرَاتِعِ الْهَلَكَةِ وَيَحْمِيهَا عَنِ السِّبَاعِ وَيُكِنُّهَا عَنْ أَذَى الحَرَّ وَالْقَر.
وَالإِمَامُ الْعَادِلُ كَالأَبِ الْحَانِي عَلَى وَلَدِهِ يَسْعَى لَهُمْ صِغَارًا وَيُعَلِّمُهُمْ كِبَارًا يَكْتَسِبُ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ وَيَدّخِرُ لَهُمْ بَعْدَ مَمَاتِهِ.
وَالإِمَامُ الْعَادِلُ كَالأُمِّ الشَّفِيقَةُ الْبَرَّةِ الرَّقِيقَةِ بِوَلَدِهَا َحَمَلَتْهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute