لَهُ: إِنِّي رَأَيْتُ رُؤْيًا كَرِهْتُهَا، رَأَيْتُ - وَأَنَا كَالْيَقْظَانِ عَلَى رَاحِلَتِي - كَأَنَّ وَادِيًا يَسِيلُ دَمًا، فَقَالَ الْحَارِثْ: لَوْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْكَ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مَا خَرَجْتُ، أَوْ قَالَ: مَا سِرْتُ خَطْوَةً، فَاطْوِ هَذَا الْخَبَرَ أَنْ تَعْلَمَهُ قُرَيْش، فَإِنَّهَا تَتَّهِمُ كُلَّ مَنْ عَوَّقَهَا عَنْ الْمَسِيرِ اللَّهُمَّ عَمِّقْ إِيمَانَنَا بِكَ وَبِمَلائِكَتِكَ وَبِكُتُبِكَ وَبِرُسُلِكَ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَآتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
عِبَادَ اللهِ تَأَمَّلُوا كَيْفَ تَغَيَّرَتْ أَحْوَالُ النَّاسِ فِي زَمَنٍ قَلِيلٍ، وَكَيْفَ آثَروا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى مَا عِنْدَ اللهِ، وَكَيْفَ شَغَلَتْهُمُ الأَمْوَالُ وَالأَهْلُ، وَالأَوْلادُ وَالْمَلاهِي، وَالْمُنْكَرَاتِ، عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنْ الصَّلاةِ، مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ مَهْمَا عَاشُوا وَمَهْمَا نَالُوا مِن الدُّنْيَا، وَمَهْمَا تَلَذَّذُوا فَإِنَّهُمْ رَاحِلُونَ وَمَا فِي أَيْدِيهِمْ زَائِلٌ عَنْهُمْ وَخَالِفُهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَ اللهِ وَأَنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلا ذِكْرُ اللهِ وَمَا وَالاهُ وَمَنْ اشْتَرى الْعَاجِلَ بِالآجِل وَلَمْ يَتَّخِذِ الدُّنْيَا مَطِيَّةً تُوصِلُهُ إِلى الْمَقْصَدِ الذِي يَرْضَاهُ وَالْمُسْتَقَرِ الأَخِيرِ الذِي يَهْوَاهُ مَعَ الذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ، فَذَلِكُمْ الذِي لا تُفِيدُهُ الْمَوَاعِظُ، وَلا تَجْدِي فِيهِ النَّصَائِحُ وَلا تَرُدُّهُ الْعِبَرُ عَنْ غَيِّهِ، وَاقْتِحَامِهِ الْقَبَائِحَ، وَذَلِكَ هُوَ الذِي خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ، عِبَادَ اللهِ حَلالُ هَذِهِ الدُّنْيَا حِسَابٌ، وَحَرَامُهَا عِقَابٌ، وَمَآلِهَا إِلَى الدَّمَارِ وَالْخَرَابِ، وَلا يَطْمَئِنُ إِلَيْهَا إِلا جَاهِلٌ مُرْتَابٌ، قَدْ فَقَدَ الرُّشْدَ وَأَبْعَدَ عن الصَّوَابِ، فَكَمْ مِنْ ذِهَابٍ بِلا إِيَابٍ، وَكَمْ مِنْ حَبِيبٍ عَلَى الرَّغْمِ قَدْ فَارَقَ الأَحْبَابِ، وَتَرَكَ الأَهْلَ وَالأَصْحَابَ، وَانْتَقَلَ إِلى ثَوَابِ جَزِيلٍ أَوْ عِقَابٍ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُغَفَّلُ الْمَخْدُوعُ عَلَى جَمْعِهَا حَرِيصٌ مَعَ مَا تُشَاهِدُهُ مِن الأَكْدَارِ وَالتَّنْغِيصِ، وَكَانَ يَكْفِيكَ مِنْهَا الْقَلِيلِ.
شِعْرًا: ... يَا مُحِبَّ الدُّنْيَا الْغَرُورِ إِغْتَِِرَارًا ... رَاكِبًا في طِلابِهَا الأَخْطَارَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute