وَدَخَلَ عَلَى عُمَرَ مَسْلَمَةُ في مَرَضِهِ فَقاَلَ يَا أَمِيْرَ المُؤمنينَ إِنَّكَ أَفْقَرْتَ أَفْوَاهَ وَلَدِكَ مِنْ هَذَا المَالِ وَتَرَكْتَهُمْ عَيْلَةً لا شَئَ لَهُمْ فَلَوْ أَوْصَيْتَ بِهِمْ إلَى وَالٍ نَظَرَ إلَى أَهْلِ بَيْتِكَ فَقَالَ عُمَرُ أَسْنِدُوْنِيْ.
ثُمَّ قَالَ أَمَّا قَوْلُكَ إِنّيْ أَفْقَرْتُ أَفْوَاهَ وَلَدِيْ مِنْ هَذَا المَالِ فَوَاللهِ مَا مَنَعْتُهُمْ حَقًّا هُوَ لَهُمْ وَلَمْ أُعْطِهِمْ مَا لَيْسَ لهُمْ، وَأَمَّا قَوْلُكَ لَوْ أَوْصَيْتَ بِهِمْ فإنَّ وَصِيِّيْ وَوَلِيِّ فِيْهِمْ {اللهُ الذي نَزَّلَ الكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّي الصّالِحِيْنَ}
بَنِيّ أحَدُ رَجُلَيْنِ إمَّا رَجُلٌ يَتَّقِيْ اللهَ فَيَجْعَلُ لَهُ مَخْرَجًا وَإمّا رَجُلٌ مُكِبُّ عَلَى المَعَاصِيْ فَإنِّي لَمْ أَكُنْ أَقَوِّيْهِ عَلى المَعَاصِي.
ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ بِضْعَة عَشَرَ ذَكَرَاً فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ ثُمَّ قَالَ بِنَفْسِيْ الفَتِيَةُ الذِيْنَ تَرَكْتُهُمْ عَيْلَةً لا شَئَ لَهُمْ فإنِّيْ بِحَمْدِ اللهِ قَدْ تَرَكْتُهُمْ بِخَيْر أيْ بَنِيّ إنّ أَبَاكُمْ قَدْ مَيَّزَ بَيْنَ أمْرَيْنِ بَيْنَ أنْ تَسْتَغْنُوْا وَيَدْخَلُ النَّارَ أَبُوكُمْ، أَو تَفْتَقِرُوا وَيَدْخُلُ أَبُوكُمْ الجَنّةَ، فَكَانَ أَنْ تَفْتَقِرُوا وَيَدْخُلُ الجَنّةَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ أنْ تَسْتَغْنُوا وَيَدْخُلُ النَّارَ قُوْمُوا عَصَمَكُمْ اللهُ.
وَذكَرَ ابْنُ أَبِيْ الدُّنْيَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العزيْز لَمَّا كَانَ في اليَوْمِ الذِي مَاتَ فِيْهِ قَالَ أَجْلِسُونِيْ فأجْلَسُوهُ فَقالَ أنَا الذِيْ أَمَرْتَنِيْ فَقَصَّرْتُ وَنَهَيْتَنِيْ فَعَصَيْتُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَلَكِنْ لاَ إلهَ إِلا اللهُ ثُمّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأحَدّ النَّظَرَ فَقَالُوا إنَّكَ لتَنْظُرُ نَظَراً شَدِيْداً يَا أَمِيْرَ المُؤمِنينَ فَقَالَ إنِّيْ لأَرَيَ حَضَرَةً مَا هُمْ بِإنْسٍ وَلَا جِنٍْ ثُمَّ قُبِضَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:
آخر: ... إذا شِئْتَ أَنْ تَرْثي فَقيْداً مِن الوَرَى ... وَتَدْعُوا لَهُ بَعْد النبي المُكَرَّمِ
فَلا تَبكِينْ إِلاَّ عَلىَ فَقْدِ عَالِمٍ ... يُبَادِرُ بالتَّفْهِيْمِ لِلْمُتَعَلِّمَ
وَفَقْدِ إِمَامٍ عَالِمٍ قَامَ مُلْكُهُ ... بأنْوَار حُكْمِ الشَرعِ لا بالتَّحَكُمِ
وفَقْدِ شُجَاعٍ صَادِقٍ في جِهادِهِ ... وَقد كُسِرَتْ رَايتُهُ في التَّقَدُمِ
وَفَقْدِ كَرِيْمٍ لا يَمَلُّ مِنْ العَطَا ... لِيُطْفِئَ بُؤسَ الفَقْرِ عن كُلّ مُعْدِمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute