عبد الرحمن: أتبكي وأنت تنهى الناس؟ قال:«إني لم أنه عن البكاء، وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين، صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة، وخمش وجوه،
وشق جيوب، ورنة، وهذه رحمة، ومن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ، لولا أنه أمر حق، ووعد صدق وأن آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنًا هو أشد من هذا، وإنا بك لمحزونون، تبكي العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب» . قال الترمذي: هذا حديث حسن. فانظر إلى هذا النهي المؤكد بتسميته صوت الغناء صوتًا أحمق، ولم يقتصر على ذلك حتى وصفه بالفجور ولم يقتصر على ذلك حتى سماه من مزامير الشيطان، وأما تسميته صوت الشيطان فقد قال تعالى للشيطان وجز به {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} عن ابن عباس {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} كل داع إلى معصية، ومن المعلوم أن الغناء من أعظم الدواعي إلى المعصية، ولهذا فسر صوت الشيطان به انتهى بتصرف يسير) إنتبه وألق سمعك وحضر قلبك لكلام شيخ الإسلام.
وقال شيخ الإسلام رحمة الله عليه: والشرائع هي غذاء القلوب وقوتها، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ويروى مرفوعا:«إن كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته، وأن مأدبة الله هي القرآن» . ومن شأن الجسد إذا كان جائعًا فأخذ من طعام حاجته استغنى عن طعام آخر حتى لا يأكله - إن أكل منه - إلا بكراهة وتجشم، وربما ضره أكله، أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قَلَّتْ رغبته في المشروع وانتفاعه به بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع، فإنه تعظم محبته له ومنفعته به، ويتم دينه به، ويكمل إسلامه.