للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واغْفَرْ لَنَا وَلِوالدينَا وَجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

(فَصْلٌ) : قال أحد العلماء وأما زَمَانَنَا فقد قَيَّدَ الطَّمَعُ أَلْسُنَ العُلماء فَسَكَتُوا إذْ لَمْ تُسَاعِدْ أقْوَالَهُم أفْعَالُهُم ولو صَدُقوا الله لكانَ خيرًا لهم.

فإذا نَظَرْنا إلى فَسَادِ الرَّعِيَّةِ وَجَدْنا سَبَبَهُ فَسَادَ المُلُوكِ.

وَإِذَا نَظرْنَا إِلَى فَسَادِ المُلوكِ وَجَدْنا سَبَبَهُ فسادَ العُلماء والصَّالِحين.

وإِذَا نَظَرْنَا إِلى فَسَادِ العُلماءِ والصَّالِحِينَ وَجَدْنَا سَبَبَهُ ما اسْتَولى عَلَيْهم مِن حُبِّ المالِ والجاهِ وانْتِشَارِ الصِّيْتِ ونَفَاذِ الكَلِمةِ ومُداهَنَةِ المَخْلُوقِين وَفَسَادِ النِّياتِ في الأقْوال والأَعْمالِ.

فإذِا أرَادَ وَاحِدٌ منهم أَنْ يُنْكِرَ على وَاحِدٍ مِن الرَّعِيةِ لم يَسْتَطِعْ ذلك.

وقال وُهَيْبُ بنُ الوَرْدِ: لَو أَنَّ عُلمَاءَنا عَفَا الله عنا وعنهم نَصَحُوا لله في عِبَادِهِ، فَقَالُوا: يَا عِبَادَ الله اسْمَعُوا ما نُخْبركُمْ عن نبيكم - صلى الله عليه وسلم - وصالح سَلَفِكم مِن الزُّهْدِ في الدنيا فاعْمَلُوا بِهِ. ولا تَنْظُروا إِلى أَعْمَالِنَا هَذِهِ الفَسْلَةِ، كانُوا قد نصَحُوا لِلَّهِ في عِبَادِهِ، ولَكّنِهم يَأْبَونَ إلا أَنْ يَجُرُّوا عِبادَ اللهِ إِلى فِتنهِم وما هُم فيه.

وقال بعضُ العُلماء: اعْلَمْ أنَّ لِلْعَالِِمِ العَامِلِ بِعِلْمِهِ حَقِيقَةً عَلاماتَ وَأَمَارَات تُفَرِّقُ بينَه وبَيْنَ عُلماءِ اللِّسَانِ المُخَلِّطِينَ المُتِبعِين لِلْهَوى المَؤثَرين للدنيا على الآخرة.

فَمِن عَلاماتِ العَالِمِ الحَقِيقِي المُمْتَاز أَنْ يَكُونَ مُتَواضِعًا خَائِفًا وَجَلاً مُشْفِقًا مِن خَشَيَةِ اللهِ زَاهِد في الدنيا قَانِعًا باليَسِير مِنها هَمُّهُ وشُغْلُه فِيمَا يُصْلحُ آخِرَتَه.

مُلْتَمِسًا لِلْفُقَراءِ المُتَمَسِّكِينَ بِدينِهِم الخَالِية بُيُوتُهم مِن المَلاهِي والمُنكراتِ الذِين لَيْسَ لَهم مَوَارِد ولا مَسَاكِن لِيُسْعِفَهم بِمَا يَقْدِرُ عَليه مِن مال وَجَاه مُخْلِصًا لِلَّهِ في ذلك لا يُريدُ مِنه جَزَاءً ولا شكورًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>