وهذا الموكل لا يهمل ولا نفسًا واحدًا قال الله جل جلاله وتقدست أسماؤه {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} .
ويروي أنه كان ملك كثير المال قد جمع مالاً عظيمًا وأحتشد من كل نوع خلقه الله تعالى من الدنيا ليرفه نفسه ويتفرغ لأكل ما جمعه، فجمع نعمًا طائلة وبني قصرًا عاليًا مرتفعًا ساميًا يصلح للملوك والأمراء والأكابر والعظماء وركب عليه بابين محكمين.
وأقام عليه الغلمان والحراسة والأجناد والبوابين كما أراد وأمر بعض الأنام أن يصطنع له من أطيب الطعام وجمع أهله وحشمه وأصحابه وخدمه ليأكلوا عنده وينالوا رفده.
وجلس على سرير مملكته واتكأ على وسادته وقال: يا نفس قد جمعت أنعم الدنيا بأسرها فالآن افرغي لذلك وكلي هذه النعم مهنأةً بالعمر الطويل، والحظ الجزيل.
فلم يفرغ مما حدث به نفسه حتى أتى رجل من ظاهر القصر عليه ثياب خلقة ومخلاته في عنقه معلقة على هيئة سائل يسأل الطعام فجاء وطرق حلقة الباب طرقة عظيمة هائلة بحيث تزلزل القصر وتزعزع السرير.
وخاف الغلمان ووثبوا إلى الباب وصاحوا بالطارق وقالوا يا ضيف ما هذا الحرص وسوء الأدب اصبر إلى أن نأكل ونعطيك مما يفضل.
فقال لهم قولوا لصاحبكم ليخرج إلي فلي إليه شغل مهم وأمر ملم فقالوا له: تنح أيها الضيف من أنت حتى نأمر صاحبنا بالخروج إليك.
فقال: أنتم عرفوه ما ذكرت لكم فلما عرفوه قال: هلا نهرتموه وجردتم عليه وزجرتموه.
ثم طرق حلقة الباب أعظم من طرقته الأولى فنهضوا من أماكنهم بالعصى والسلاح وقصدوه ليحاربوه فصاح بهم صيحة.