كل مَا فيه لهم ويقدر عليه ويدفع عنهم مَا يضرهم مَا استطاع فبهذه الأشياء تقع بإذن الله الألفة والمحبة.
وبها تحصل المودة، ويصبح المرء بين جيرانه محبوبًا موقرًا يتفقدونه إذا غاب ويسألون عنه ويعدونه إذا حضر مرغوبًا مرموقًا بالعناية مِنْهُمْ آمنًا مِنْهُمْ مطمئنًا إليهم يتبادلون المنافع.
روي أن إبراهيم بن حذيفة باع داره فلما أراد المشتري أن يشهد عليه قال: لست أشهد عليَّ ولا أسلمها حتى يشتروا مني جوار سعيد بن العاص وتزايدوا فِي الثمن قالوا: وهل رأيت أحدًا يشتري جوار أو يبيعه قال: ألا تشتري جوار من إن أسأت إليه أحسن وإن جهلت عليه حلم وإن أعسرت وهب لا حاجة لي فِي بيعكم ردوا عليَّ داري.
فبلغ ذلك سعيد بن العاص فبعث غليه بمائة ألف درهم وروى المدائني أنه باع جار لفيروز داره بأربعة آلاف درهم فجيء بها فقال البائع: هذا ثمن داري فأين ثمن جاري قال: ولجارك ثمن قال: لا أنقصه والله عن أربعة آلاف درهم.
فبلغ ذلك الفيروز فأرسل إليه بثمانية آلاف درهم وقال: هذا ثمن دارك وجارك وألزم دارك لا تبعها. أين هؤلاء من أكثر جيران زمننا لا تكاد تهدأ أذيتهم وشتائمهم وسبهم وهجرانهم ومشاجرتهم وتقاطعهم وكيد بعضهم لبعض رجالاً ونساءً وأولادًا كَأنَهم فِي معزل عن الآيات والأحاديث الواردة فِي الجوار وحقوقه ولبعضهم ممن بلي بجاره السوء: