ويجافِي بين الصدق وكظم الغيظ وقبول النصح ويعمي المرء عن عيوبه ويحول بينه وبين العلم والانقياد للحق.
والكبر نوعان: أحدهما التكبر عَلَى الحق وَهُوَ رده ودفعه وعدم قبوله وَهُوَ عَالم به سواء كَانَ من حقوق الله أو من حقوق عباده فمعني بطر الحق رده وجحده وَهُوَ عَالم به فكل من رد الحق فإنه مستكبر عنهُ بحسب ما رد من الحق ومعني غمط النَّاس احتقارهم وتنقصيهم وَذَلِكَ ناشَيْء عن عجب الإنسان بنفسه وتعاظمه عَلَيْهمْ فالعجب بالنفس يحمل عَلَى التكبر عَلَى الخلق واحتقارهم والاستهزاء بِهُمْ وتنقيصهم بقوله أنه ممتاز عنهُ بما سما به فِي نظر نَفْسه وإذن يري ذَلِكَ الغَيْر فِي درجة منحطة عن درجته فيعتقد حينئذ أن مستواه فوق مستوي غيره وَذَلِكَ هُوَ الكبر بعينه فالعجب عنهُ نشأ الكبر وعَلَى أصله تفرع.
وللكبر أسباب كثيرة فقَدْ تَكُون عن صفة كمال كالعلم والنسب والجاه والسُّلْطَان وَرُبَّمَا نشأ عن غرور ووهم بحيث يعتقَدْ أنه أكمل من غيره خطأ وجهلاً وهَذَا برهان عَلَى نقص عقله ولذا يَقُولُ مُحَمَّد بن عَلَى الباقر ما دخل قلب امرءٍ شَيْء من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخل من ذَلِكَ قل أو كثر.
فإن كَانَ الكبر ناشئاً عن العلم كَانَ صاحبه مثالاً سيئاً وقدوة رديئة، خصوصاً إِذَا دفعه الكبر إلي صفة ذميمة كالحسد والحقد، أو أفضي به إلي ارتكاب مظلمة من المظالم بيده أو لِسَانه، فإن ضرر هَذَا لا يقدر، لأن النَّاس يقتدون بالعلماء فِي أقوالهم وأفعالهم، فيستسهلون عِنْدَ ذَلِكَ ارتكاب الجرائم، ويستبيحون الاتصاف بالصفات الذميمة، وفِي هذَا شرٌّ عَظِيم، وأيضاً فإن العَالم المتكبر ينصرف النَّاس عنه وينفضون من حوله، فلا ينتفع