وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْياءَِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
" مَوْعِظَة ": عِبَادَ اللهِ إِنَّ مِنْ أَخَصِّ صِفَاتِ الْمُؤْمِن عَمَلُهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ " وَمَحَبَتُهُ لِلنَّاصِحِينَ. وَكُلَّما اجْتَهَدَ الْمُسْلِمُ وَبَالَغَ فِي النَّصِيحَةِ لإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ قَوِيَتْ مَحَبَّتُهُ فِي قُلُوبِ إِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَأَمَّا الْمُدَاهِنُ وَالْمُتَمَلِّقُ الَّذِي يُحَسِّنُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ حَالَهُ، وَلَوْ كَانْتْ حَالَةَ إِجْرَامٍ وَفَسَادٍ فَهَذَا يُنَفِّرُ مِنْهُ الْمُؤْمِنُونَ، وَلا يُحِبُّونَهُ وَيَرَوْنَ صَدَاقَتُهُ مُصِيبَةً وَبَلِيَّةً فَلِذَا يَبْتَعِدُونَ عَنْهُ كُلّ الْبُعْدِ. لأَنَّهُ إِنْ صَحْبَ مُسْتَقِيمًا ادْخَلَ عَلَيْهِ الْعُجْبَ فِي عَمَلِهِ، وَخَيَّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ صَفْوَةِ عِبَادِ اللهِ الْمُتَّقِينَ، فَيَغُرُّهُ بِنَفْسِهِ. وَالْمَرءُ إِذَا اغْتَرَّ هَوَى فِي هُوَّةِ الأَشْقِياءِ. وَإِذَا صَحِبَ الْمُدَاهِنُ الْمُتَمَلِقُ مُعَوَّجًا زَادَ اعْوِجَاجَهُ حَيْثُ أَنَّهُ يُفْهِمُهُ بِمُدَاهَنَتِهِ أَنَّهُ مِنْ خِيارِ الْفُضَلاءِ وَمَنْ الأَجِلاءِ النُّبَلاء.
وَمَتَى فَهِمَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ اسْتَمَرَّ وَتَمَادَى فِي اعْوِجَاجِهُ، وَقَوِيَتْ وَتَمَكَّنَتْ مِنْهُ الأَخْلاقُ الْفَاسِدَةُ، وَمَاتَ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ الشَّنِيعَةِ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ النَّاصِحُ الْمُحِبُ لأَخِيهِ مَا يُحِبُ لِنَفْسِهِ فَيَفْهَمُ الْمُهَذَّبُ الْمُتَنَوِّرُ أَنَّهُ مَهْمَا كَانَ كَمَالُهُ أَنَّهُ مُقَصِّرٌ فِي شُكْرِ مَوْلاهُ الَّذِي جَعَلَهُ مِنْ بَنِي آَدَمَ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَوَفَّقَهُ لِلإِيمَانِ، وَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ وَغَيرِهَا وَوَهَبَهُ الْعَقْلَ، وَسَائِرَ النِّعَمِ التَّي لا تُعَدُّ وَلا تُحْصَى.
وَمَتَى فَهِمَ أَنَّهُ مُقَصِّرٌ، حَمِدَ مَوْلاهُ وَشَكَرَهُ عَلَى مَا أَوْلاهُ وَجَدَّ وَاجْتَهَدُ فِيمَا بِهِ رُقِيُّهُ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ، وَإِنْ رَأَى مُعْوَجًّا أَفْهَمَهُ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنٍ نَقْصٍ وَوَضَّحَ لَهُ عُيُوبَهُ، وَمَا عِنْدَهُ مِنْ تَقْصِيرٍ فِي دِينِهِ وَحَثَّهُ عَلَى الْجَدِّ وَالاجْتِهَادِ وَالسَّعْيِ إِلَى مَعَانِي الأَخْلاقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute