للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدِي فِي الْغَالِبِ مَنْ يُوَالِي الْعَطَاء عَلَى إِنْسَانٍ فَيَبْعُدُ إِذَا رَآهُ صَدَرَ مِنْهُ مَعْصِيةً أَوْ مَعَاصِي أَنَّهُ يَنْصَحُهُ أَوْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ لأَنَّهُ يَرْجُوهُ وَيَخَافُهُ، يَرْجُو الصِّلَةَ وَيَخَافُ قَطْعُهَا، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ فَيَبْعُدُ أَيْضًا قُبُولِ صَاحِبِ الْفَضْلِ لِلنَّصِيحَةِ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْمُنْتَظَرِ لِمَا فِي يَدِهِ، نَسْأَلُ اللهَ الْعِصَمَةَ.

وَكَمْ ضّلَّ عَنْ الطَّرِيقِ السَّوِيِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ بِسَبَبِ مُدَاهَنَةِ الْمُدَاهِنِ وَتَغْرِيرِهِ لَهُمْ، هَذِهِ قِيمَةُ النَّاصِحِ، وَالْمُدَاهِن عِنْدَ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ الإِيمَانِ وَلَكِنْ نَرَى النَّاسَ الْيَوْم عَكَسُوا الأَمْر فِي هَذِهِ الأَزْمَانِ، لا مُنْتَهى لِحُبِّهِمْ مَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ ذَنْبًا عَظِيمًا، وَلا غَايَةَ لِبُغْضِهِمْ مَنْ أَرْشَدَهُمْ إِلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ وَرُبَّمَا هَجَرُوهُ جَزَاءَ نُصْحِهِ، وَأَمَّا الْمُدَاهِنُ وَالْمُتَمَلِقُ الْمُنَافِقُ ذُو الْوَجْهَينِ فَبِكَلِمَةٍ مِنْ مُدَاهَنَاتِهِ، أَوْ وِشَايَاتِهِ أَوْ تَمَلُّقَاتِهِ أَوْ كَذِبَاتِهِ يَمْلِكُ قُلُوبَ الْكَثِيرِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الزَّمَان وَقَدْ يُرَفَّعُ وَيُقَدِّر مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ كَمَا قِيلَ:

آخر: ... (مَتَى مَا تُدَان أَوْ تَكُنْ ذَا تَمَلْقٍ ... وَنَمٍّ وَبَهْتٍ تَخْتَطِبْكَ الْمَرَاتِبُ)

(وَإِنْ تَجْمَعِ الإِخْلاصَ وَالصِّدْقِ وَالْوَفَا ... وَعِلْمًا وَحِلْمًا تَجْتَنِبُكَ الْمَنَاصِبُ)

آخر: ... لا تُنْكِرِي يَا عَزُّ إِنْ ذَلَّ الْفَتَى ... ذُو الأَصْلِ وَاسْتَولَى لَئِيمُ الْمُحْتِد

إِنَّ الْبُزَاةَ رُؤسُهُنَّ عَوَاطِلُ ... وَالتَّاجُ مَعْقُودٌ بِرَأْسِ الْهُدْهُدِ

آخر: ... حَذَفْتُ وَغَيْرِي مُثَبِّتْ فِي مَكَانِهِ ... كَأَنِّي نُونُ الْجَمْعِ حِينَ يُضَافُ

آخر: ... مَنْ أَهْمَلَ الدِّينَ لا تَأْمَنْ عَقَارِبَهُ ... وَلَوْ تَسَمَّى بِإِخْلاصٍ بِنِيَّاتٍ

لآدَمٍ جَاءَ إِبْلَيْسٌ وَقَالَ لَهُ ... إِنِّي لَكْمُ (نَاصِحٌ فَاسْمَعْ مَقَالاتِي

فَأَقَسَمَ الْخُبَثُ فِي رَبِّي وَنُزُلُهُمْ ... مِنَ الْجِنَانِ إِلَى دَارِ الأَذِيَّاتِ

اللَّهُمَّ وَفَّقَنَا لِسَبِيلِ الطَّاعَةِ، وَثَبتنَا عَلَى إِتِّبَاعِ السُّنْةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَلا تَجْعَلْنَا مِمَّنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَأَضَاعَهُ، وَأَخْتِمْ لَنَا بِخَيْرٍ مِنْكَ يَا كَرِيمُ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>