الثاني: أن يعدل مع نفسه وذلك بحملها على مَا فيه صلاحها وكفها عن القبائح ثم بالوقوف فِي أحوالها جور على أعدل الأمرين من تجاوز أو تقصير، فإن التجاوز فِي الأحوال جور على النفس والتقصير فيها ظلم لها لمنعها عن كمالها ومن ظلم نفسه فهو لغيره أظلم ومن جار على نفسه فهو على غيره أجور، لأن من لَمْ يراع حقوق نفسه فعدم مراعاته حقوق غيره أولى وأحرى.
الثالث: عدل الإنسان فيمن دونه كالسلطان فِي رعيته والرئيس مع صحابته، وذلك بأمور: الأول إتباع الميسور لهم وترك المعسور وحذفه عنهم وترك التسليط والقهر بالقوة وابتغاء الحق فِي الميسور ويقيم العدل فيهم قريبهم وبعيدهم غنيهم وفقيرهم وأن يكونوا عنده فِي هذا سواء.
ولا يقصر شيئًا من واجبه مع رعيته ولا يهمل شيئًا يرقي أدانهم وعقولهم وأخلاقهم ويحفظ عليهم أموالهم ودمائهم وأعراضهم ويكون لهم مثلاً أعلى فِي معاملة بعضهم بعضًا بالعدل والإنصاف، فالحاكم كالقلب من الجسد إذا صَلح صلح الجسد، فإذا صلح الراعي صلحت الرعية وإذا فسد فسدت، فلهذا مسؤولية ولاة الأمور عظيمة فِي نظر الشريعة الإسلامية.
وَقَدْ حذر مِنْهَا النبي صلى الله عليه وسلم تحذيرًا شديدًا روي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال:«يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها» . رواه مسلم، وحقها فِي نظر الدين أن يقوم بكل شيء فيه مصلحة للمحكومين.