لَقَدْ كَانُوا يصبحون شعثًا صفرًا غبرًا، بين أعينهم أمثال ركب المعزى، قَدْ باتوا لله سجدًا، وقيامًا يتلون كتاب الله ويراوحون بين جباههم وأقدامهم.
فإذا أصبحوا ذكروا الله، فما دوا كما يميد الشجر فِي يوم الريح وهمت أعينهم بالدموع حَتَّى تبل ثيابهم، وَاللهِ كأني بالقوم غافلين.
ثُمَّ قام فما رُؤْيَ بعد ذَلِكَ ضاحكَا حَتَّى مَاتَ رحمة الله عَلَيْهِ.
شِعْرًا: ... لله دَرَّ رِجَالٍ وَاصَلُوا السَّهَرَا ... وَاسْتَعْذَبُوا الْوَجْدَ وَالتَّبْرِيحَ وَالْفِكَرَا
فَهُمْ نُجُومُ الْهُدَى وَاللَّيْلُ يَعْرِفُهُمْ ... إِذَا نَظَرْتَهُمُوا هُمْ سَادَةُ بُرَرَا
كُلٌّ غَدَا وَقْتُهُ بِالذِّكْرِ مُشْتَغِلاً ... عَمَّا سِوَاهُ وَلِلَّذَاتِ قَدْ هَجَرَا
يُمْسِي وَيُصْبَحُ فِي وجْدٍ وَفِي قَلَقٍ ... مِمَّا جَنَاهُ مِن الْعِصْيَانِ مُنْذَعِرَا
يَقُولُ يَا سَيِّدِي قَدْ جِئْتُ مُعْتَرِفًا ... بِالذَّنْبِ فَاغْفِرْ لِي يَا خَيْرَ مَنْ غَفَرَا
حَمَلْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا لا أَطِيقُ لَهُ ... وَلَمْ أَطِعْ سَيِّدِي فِي كُلِّ أَمْرَا
عَصَيْتُهُ وَهُوَ يُرْخِي سِتْرَهُ كَرَمًا ... يَا طَالمَا قَدْ عَفَا عَنِّي وَقَدْ سَتَرَا
وَطَالمَا كَانَ لِي فِي كُلَّ نَائِبَةٍ ... إِذَا اسْتَغَثْتُ بِهِ مِنْ كُرْبَةٍ نَصَرَا
وَإِنَّنِي تَائِبٌ مِمَّا جَنَيْتُ وَقَدْ ... وَافَيْتُ بَابَكَ يَا مَوْلايَ مُعْتَذِرَا
لَعَلَّ تَقْبَلُ عُذْرِي ثُمَّ تَجْبُرُنِي ... يَوْمَ الْحِسَابِ إِذَا قُدِّمْتَ مُنْكَسِرَا
وَقَدْ أَتَيْتُ بِذُلٍّ رَاجِيًا كَرَمًا ... إِلَيْكَ يَا سَيِّدِي قَدْ جِئْتُ مُفْتَقِرَا
ثُمَّ الصَّلاة عَلَى الْمُخْتَارِ سَيِّدِنَا ... عِدَادَ مَا غَابَ مِنْ نَجْمٍ وَمَا ظَهَرَا
وقَالَ معاوية لضرار بن حمزة الصدائي: صف عليًا. قَالَ: ألا تعفيني. قَالَ: بل صفه. قَالَ ألا تعفيني. قَالَ: لا أعفيك. قَالَ: أما إنه لابد. فإنه كَانَ بعيد المدى، واسع العلوم والمعارف، لا تدرك غايته فيهما شديد الْقُوَى فِي ذات الله، ونصرة دينه، يَقُولُ فضلاً، ويحكم عدلاً، ينفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدُّنْيَا، وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته.