كَانَ والله غزير الدمعة، طويل الفكر، يقلب كفه، تأسفًا وحزنًا، إذ هَذَا فعل المتأسف الحزين، ويخاطب نَفْسهُ، بالمزعجات، والمقلقات، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما حضر.
كَانَ والله كأحدنا إِذَا سألناه، ويأتينا إِذَا دعوناه، وَنَحْنُ وَاللهِ مَعَ تقربه لَنَا وقربه منا لا نكلمه هيبة لَهُ، فَإِنَّ تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أَهْل الدين ويحب المساكين، ولا يطمَعَ القوي فِي باطله ولا ييأس الضعيف من عدله.
واشهد الله لَقَدْ رأيته فِي بَعْض مواقفه، وقَدْ أرخى الليل ستوره، وغارت نجومه، وقَدْ تمثل فِي محرابه، قابضًا على لحيته، يتململ تململ اللديغ، ويبكى بُكَاء الحزين، وكأني سمعته يَقُولُ: يَا ربنا يَا ربنا. يضرع إليه.
ثُمَّ يَقُولُ: يَا دنيا يَا دنيا إِلَيَّ تعرضت أم تشوقتي هيهات هَيهات غري غيري، وقَدْ بَتَتْتُكِ ثلاثًا لا رجعة لي فيك فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كبير، آه من قلة الزَّاد، وبعد السفر، ووحشة الطَرِيق، فذرفت عين معاوية على لحيته، فما ملكها وَهُوَ ينشفها بكمه، وقَدْ اختنق القوم بالبكاء.
قَالَ معاوية: رحم الله أبا الحسن كَانَ وَاللهِ كذلك، فَكَيْفَ حزنك عَلَيْهِ يَا ضرار؟ قَالَ: حزن من واحدها فِي حجرها فلا ترقا عبرتها ولا يسكن حزنها.
وقَالَ أبو ذر وددت لو أني شجرة تُعْضَدُ وَكَذَا قَالَ طلحة ابن عبيد الله أحد العشرة.
وقَالَ عمران بن حصين: وددت أن أكون رمادًا تنسفه الرياح.
وكَانَ علي بن الحسين إِذَا توضأ أصفر لونه، فَيَقُولُ لَهُ أهله: ما هَذَا الَّذِي يعتادك عَنْدَ الوضوء، فَيَقُولُ: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم. وسئل ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ الخائفين، فقَالَ: قُلُوبهمْ، بالخوف قرحة، وأعينهم باكية، يقولون كيف نفرح والموت من ورائنا، والقبر أمامنا والقيامة