للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالسِّرّ فِي هَذَا ما بينه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بهَذَا الْحَدِيث فهو يَقُولُ: «إن أرواح العباد ونفوسهم جنود مجتمعة، وجيوش مجيشة فالتي بينها تعارف وتشاكل وتوافق وتناسب، يألف بعضها بَعْضًا، ويسر باجتماعه، ويفرح لقائه، لاتفاق فِي المبدأ وتقارب فِي الروح» .

روى أبو يعلى فِي مسنده عَنْ عمرة بنت عَبْد الرَّحْمَنِ قَالَتْ: كَانَتْ امرأة بمَكَّة مزاحة، فنزلت على امرأة مثلها فِي الْمَدِينَة، فبلغ ذَلِكَ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فقَالَتْ: صدق حبي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف مَنْهَا ائتلف، وما تناكر مَنْهَا اختلف» .

فالأخيار الأَبْرَار الأتقياء الأمجاد الأطهار، إِذَا وجدوا فِي مجتمَعَ جذبوا أشباهم، أَوْ انجذبوا إليهم، وسرى بينهم تيار من المحبة جمَعَ قلوبهم وقوَّى روابطها وثَبّتْ صلتها.

قَالَ بَعْضهمْ:

لَعَمْرُكَ إِنَّ الْقَلْبَ نَحْوَكَ شَيِّقٌ ... وَأَنْتَ بِمَا أَلْقَى مِن الشَّوْقِ أَعْلَمُ

فُؤُدُّكَ عَنْ وِدِّي إِلَيْكَ مُبَلِّغٌ ... وَقَلْبُكَ عَنْ قَلْبِي إِلَيْكَ يُتَرْجِمُ

وكَذَلِكَ الأَشْرَار والفجار والفسقة والظلمة، إِذَا حضروا بناد بادر إليهم الفسقة، والمجرمون، والسفلل، واللؤماء، وجذبهم قرناؤهم، ونفروا ممن لا يتخلق بأخلاقهم، ولا يسير فِي ركابهم.

قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «لو أن مؤمنًا دخل إِلَى مجلس فيه مائة منافق، ومُؤْمِن واحد لجَاءَ حَتَّى يجلس إليه، ولو أن منافقًا دخل إِلَى مجلس فيه مائة مُؤْمِن ومنافق واحد، لجَاءَ حَتَّى يجلس إليه» .

وَهَذَا يدل على أن شبه الشيء منجذب إليه بِالطَّبْعِ، وإن كَانَ هُوَ لا يشعر به، وكَانَ مالك بين دينار يَقُولُ: «لا يتفق إثنان فِي عشرة إِلا وفي أحدهما

<<  <  ج: ص:  >  >>