وهو بمنزلة السوط للبهيمة، فَإِنَّ الأصلح للبهيمة أن لا تخلو عَنْ سوط ولَيْسَ المبالغة فِي الضرب محمودة، ولا المتقاصر عَنْ الخوف أيضا محمودًا، وَهُوَ كالَّذِي يخطر بالبال عَنْدَ سماع آية، أَوْ سبب هائل فيورث البُكَاء، فإذا غاب ذَلِكَ السبب عَنْ الحس رجع الْقَلْب إِلَى الغَفْلَة، فهو خوف قاصر قليل الجدوى ضعيف النفع، وَهُوَ كالقضيب الضعيف، الَّذِي يضرب به دابة قوية فلا يؤلمها ألمًا مبرحًا، فلا يسوقها إِلَى المقصد ولا يصلح لرياضتها.
وَهَذَا هُوَ الغالب على النَّاس كلهم إلا العارفين والْعُلَمَاء أعنِي الْعُلَمَاء بِاللهِ وبآياته وقَدْ عز وجودهم، وأما المرتسمون برسوم العلم فَإِنَّهُمْ أبعد النَّاس عَنْ الخوف، وهل الْعُلَمَاء حَقِيقَة يأخذون من الدُّنْيَا إلا بقدر البلاغ.
وأما القسم الأول وَهُوَ الخوف المفرط فهو كالَّذِي يقوى ويجاوز حد الاعتدال، حَتَّى يخَرَجَ إِلَى اليأس والقنوط، فهو أيضًا مذموم لأنه يمنع من الْعَمَل، وقَدْ يخَرَجَ إِلَى المرض والوله والموت، ولَيْسَ ذَلِكَ محمودًا.
وكل ما يراد لأمر فالمحمود منه ما يفضِي إِلَى المراد المقصود منه، وما يقصر عَنْهُ أَوْ يجاوزه فهو مذموم وفائدة الخوف الحذر والورع والتقوى والمجاهدة والفكر والذكر والتعبد وسائر الأسباب التي توصل إِلَى الله تَعَالَى وكل ذَلِكَ يستدعى الحياة مَعَ صحة البدن وسلامة العقل فإذا قدح فِي ذَلِكَ شَيْء كَانَ مذمومًا وصلى الله على مُحَمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
" فَصْلٌ "
وقَالَ ابن رجب رَحِمَهُ اللهُ: والقدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم فَإِنَّ زَادَ على ذَلِكَ بحيث صار باعثًا للنفوس على التشمير فِي نوافل الطاعات، والانكفاف عَنْ دقائق المكروهات، والتبسط فِي فضول المباحات، كَانَ ذَلِكَ فضلاً محمودًا.