للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شِعْرًا: ... خَفِ الله وَارْجُوهُ لِكُلِّ عَظِيمَةٍ ... وَلا تُطِعِ النَّفْسَ اللَّجُوجَ فَتَنْدَمَا

وَكُنْ بَيْنَ هَاتَيْنِ مِن الْخَوْفِ وَالرَّجَاءَ ... وَأَبْشِرْ بِعَفْوِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مُسْلِمَا

فإن تزايد على ذَلِكَ بأن أورث مرضًا أَوْ موتًا أَوْ همًا لازمًا بحيث يقطع عَنْ السعي فِي اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة لله عَزَّ وَجَلَّ لم يكن ذَلِكَ محمودًا.

ولهَذَا كَانَ السَّلَف يخافون على عطاء السلمي من شدة خوفه الَّذِي أنساه القرآن وصار صَاحِب فراش، وَهَذَا لأن خوف العقاب لَيْسَ مقصودًا لذاته، إنما هُوَ سوط يساق به المتوانِي عَنْ الطاعة إليها ومن هنا كَانَتْ النار من جملة نِعَمِ الله على عباده الَّذِينَ خافوه واتقوه.

ولهَذَا المعنى عدها الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى من جملة آلائه على الثقلين فِي سورة الرحمان، وقَالَ سفيان بن عيينة: (خلق الله النار رحمةً يخوف بها عباده لينتهوا) . أَخْرَجَهُ أبو نعيم.

والمقصود الأصلي هُوَ طاعة الله عَزَّ وَجَلَّ وفعل مراضيه ومحبوباته وترك مناهيه ومكروهاته، ولا ننكر أن خشية الله وهيبته وعظمته فِي الصدور وإجلاله مقصود أيضًا، ولكن القدر النافع من ذَلِكَ ما كَانَ عونًا على التقرب إِلَى الله، بفعل ما يحبه وترك ما يكرهه.

ومتى صار الخوف مانعًا من ذَلِكَ وقاطعًا عَنْهُ فقد انعكس المقصود منه، ولكن إِذَا حصل ذَلِكَ عَنْ غلبةٍ كَانَ صاحبه معذورًا، وقَدْ كَانَ فِي السَّلَف من حصل لَهُ من خوف النار أهوال شتى لغلبة حال شهادة قُلُوبهمْ للنار، فمِنْهُمْ من كَانَ يلازمه القلق والبُكَاء وَرُبَّمَا اضطرب أَوْ غُشِيَ عَلَيْهِ إِذَا سمَعَ ذكر النار، مثل قوله تَعَالَى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} .

<<  <  ج: ص:  >  >>