للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكون جيفةً يهرب منه كُلّ حيوان ويستقذره الإنسان، وأحسن أحواله أن يعود تراباً كما كَانَ، ثُمَّ يحييه الَّذِي خلقه أول مرة فيقاسي البَلاء والشدائد وأهوال المعجزات، فيخرج من قبره كما أخبر تعالى بقوله: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} فينظر إلي قيامة قائمة، وسماء منفرجة مشققة، وأرض مبدلة، وجبال مسيرة، ونجوم منكدرة، وشمس منكسفة، وأحوال مظلمة وملائكة غلاظ شداد، وجهنم تزفر قال تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} ينظر إليها المجرم فيتحسر، ويري صحائف منشورة، فَيُقَالُ: {اقْرَأْ كَتَابَكَ} فِيه جَمِيع عمله من أوله إلي آخره {يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} ، وَقَالَ: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} .

فما لمن هَذَا حاله ومآلهُ والتكبر والتعاظم والتجبر، بل مآله وللفرح فِي لحظة واحدة، فضلاً عن الأشر والبطر، قال ?: " لَوْ تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولما تلذذتم بالنساء عَلَى الفرش ". فهَذَا من أحسن الطرق لتذليل النفس وحملها عَلَى الخضوع التواضع لله الَّذِي لَهُ الكبرياء فِي السماوات والأرض وَهُوَ العزيز الحكيم.

وأما العلاج الثاني فهو: التواضع لله بالْفِعْل ولسائر الخلق بالمواظبة عَلَى أَخْلاق المتواضعين المتبعين لطريقة سيد المرسلين ومن جملتها ما فيها من التواضع بالمثول قائماً وبالركوع والسجود " إنما أَنَا عبد آكل كما يأكل العبد" وقَدْ ذكرنا نموذجاً من تواضعه ? فِي فضل التواضع من أحب الزيادة فيرجع إليه قال بعض من رضي بالكفاف وقنعه

<<  <  ج: ص:  >  >>