للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِإِذْنِ اللهِ فَإِنَّ الْحَمَقَ لا تَثَبِّتْ مَعَهُ مَوَدَّةٌ وَلا تَدُومُ مَعَهُ صُحْبَةٌ، لِعَدَمِ مُرَاعَاتِهِ حُقُوقِ الإِخَاءِ.

وَالْخُصْلَةِ الثَّانِيَة: الدّيِنِ الْوَاقِفِ بَصَاحِبِهِ عَلَى الْخَيْرَاتِ، فَإِنَّ تَارِكَ الدِّينِ عَدُوٌ لِنَفْسِهِ يُلْقِيهَا فِي الْمَهَالِكِ، فَكَيْفَ يُرْجَى مِنْهُ نَفْعٌ وَمَوَدَّةٌ لِغَيْرِهِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: اصْطَحِبْ مِنَ الإِخْوَان صَاحِبَ الدِّينِ، وَالْحَسَبِ، وَالْرَأْيِ وَالأَدَبِ، فَإِنَّهُ عَوْنٌ لَكَ عِنْدَ حَاجَتِكَ، لأَنَّ دِينَهُ يُحَتِّمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، لأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ وَيَدٌ عِنْدَ نَائِبَتِكَ، وَذَلِكَ مِنْ مُوجِبَاتِ رَأْيَهُ، وَحَسَبَهُ، وَأُنْسٌ عِنْدَ وَحْشَتِكَ لأَدَبِهِ.

وَمِنْ كَلامِ بَعْضِ الْعَارِفِينَ: الأَخُ الصَّالِحُ خَيْرٌ مِنْ نَفْسِكَ، لأَنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، وَالأَخُ الصَّالِحُ لا يَأْمُرُ إِلا بِالْخَيْرِ.

الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ مَحْمُودُ الأَخْلاقِ، مَرْضِيّ الأَفْعَالِ، مُؤْثِرًا لِلْخَيْرِ، آمِرًا بِهِ لِخَلِيلِهِ، كَارِهًا لِلشَّرِّ دِيَانِة، وَخُلُقًا، نَاهِيًا عَنْ الشَّرِّ مُرُوءَة وَحَسَبًا، فَإِنَّ مَوَدَّةَ الشَّرِّيرِ تُكْسِبُ الأَعْدَاءَ، وَتُفْسِدُ الأَخْلاقِ، وَلا خَيْرَ فِي مَوَدَّةٍ تَجْلِبُ عَدَاوَة، وَتُورِثْ مَذَّمَةً وَمَلامَة.

وَقَدْ ضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَيْنِ لِلْجَلَيْسَ الصَّالِحُ، وَالْجَلَيْسَ السُّوءِ، فَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مِثْلُ الْجَلَيْسَ الصَّالِحِ، وَالْجَلَيْسَ السُّوءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكَيرِ، فَحَامِل الْمِسْك إِمَّا أَنْ يَحْذِيكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعُ مِنْهُ، وَأَمَّا أَنْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخٌ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدْ مِنْهُ رِيحةً خَبِيثَةً» . مُتَفَقٌ عَلَيْهِ.

هَذَا الْحَدِيثُ يُفِيدُ أَنْ الْجَلَيْسَ الصَّالِحَ جَمِيعَ أَحْوَالِ صِديقه معه خَيْر وبركة ونفع ومغنم مثل حامل المسك الَّذِي تنتفع بما معه منه، إما بهبة، أَوْ ببيع أَوْ أقل شَيْء مدة الجلوس معه، وَأَنْتَ قَرِيرِ النَّفْسِ، مُنْشَرِح الصَّدْرِ، بِرَائِحَةِ المسك

<<  <  ج: ص:  >  >>