زملائه أو أترابه أو غيرهم هذا الدخان لأول مره، وبدأ يستنشق دخانه السام، ولا يلبث إلا قليلاً حتى يأخذ في الإكثار من تناول هذا السم الناقع، فيصبح له عادة لا يستطيع إلى تركها سبيلا، وإذا طال الزمن، ومكث على ذلك مدة: استحكمت في نفسه هذه العادة القبيحة السيئة، وبدأت صحته تضعف، وقوته تنقص، وشهيته للطعام تقل، ورغبته في المشي وما يقوي البدن تضعف، وإذا ذلك الوجه الناظر الحسن المشرق، وذلك الجسم الممتلئ عافية، والشباب الغض قد تغير وعراه الذبول، وتمكن منه النحول، فترى جلده يسترخي، وبصره يضعف، وسمعه كذلك يضعف، وقوة الشهوة تضعف جدًا، وعقله يضعف بإذن الله تبعًا للجسم، ويصبح بعد غضارته ونضارته ذابلاً، وجسمًا ناحلاً، يأخذه سعال مؤلم، ويحس بخفقان قلبه، ودقه وفتور جسمه، ويتمنى بعد ذلك لو يقاسمه إنسان ماله، ويتسبب له في منعه من هذه العادة السيئة الخبيثة، ولكن أنى له بذلك، هيهات إلا أن يشاء الله جل وعلا، فالله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ثم هذا الشارب للدخان يفقد بشاشته ويحرم صفاء نفسه، وقوة فكره، فتتغير أخلاقه وتتبدل صفاته، وتراه إذا أعوزه الدخان أحيانًا، يذهل نفسه وينكس رأسه كأنما هو في هم ناصب، وعناء وتعب، وقد تتغير سجاياه، فإذا ذلك الحليم الهادئ الأعصاب، غضوب جموح، وإذا ذلك الساكن هائج وثائر، يظهر منه فلتات كلام، يتعجب منها من يعرفه أولاً، وتراه يلجأ إلى تناول الدخان، لتسكين غضبه، وتهدئة ثائرة نفسه. فعلى العاقل أن يبتعد عن هذا وأمثاله من الفسقة قال بعضهم:
تَبَاعَدْ عَن الْفُسَّاقِ لا تَقْرَبَنَّهُمْ ... فَقُرْبُهُمُ يُعْدِي الصَّحِيحْ وَيُعْطِبُ