فَكَتَبَ عُمَرُ إِلى عُمَيْرِ يَقُولُ: إِذَا جَاءَكَ كِتَابِي فَلا تَضَعَهُ مَنْ يَدِكَ حَتَّى تُقْبِلَ عَلَيَّ. فَتَوَجَّهَ عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ إِلى الْمَدِينَةِ وَدَخَلَ عَلَى عُمَرَ فَحَيَّاهُ وَرَحَّبَ بِهِ وَأَدْنَى مَجْلِسَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا صَنَعْتَ بِالدَّنَانِيرَ يَا عُمَيْرُ؟ فَقَالَ: وَمَا عَلَيْكَ مِنْهَا يَا عُمَرُ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجْتَهَا لِي عَنْكَ.
فَقَالَ: عَزِمْتُ عَلَيْكَ أَنْ تُخْبِرَنِي بِمَا صَنَعْتَ بِهَا؟ فَقَالَ: ادَّخَرْتُهَا لِنَفْسِي لانْتَفِعُ بِهَا يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٍ وَلا بَنُونَ. فَدَمِعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ مِنَ الذِينَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسْهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ.
ثُمَّ أَمَرَ بِوِسَقٍ مِنْ طَعَامٍ وَثَوْبَيْنِ، فَقَالَ: أَمَّا الطَّعَامُ فَلا حَاجَةَ لَنَا بِهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ تَرَكْتُ عِنْدَ أَهْلِي صَاعَيْنِ مِنْ شَعِيرٍ وَإِذَا أَكَلْنَاهُمَا يَأْتِي اللهُ لَنَا بِرِزْقٍ، وَأَمَّا الثَّوْبَيْنِ فَآخُذُهُمَا لأُمِّ فُلانِ يُرِيدُ زَوْجَتَه فَقَدْ بَلِيَ وَخلقَ ثَوْبُهَا وَكَادَتْ تَعْرَى.
فَمَضَى عُمَيْرٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي طَرِيقِ الآخِرَةِ وَادِعَ النَّفْسِ وَاثِقَ الْخَطْوِ لا يُثْقِلُه شَيْءٌ مِنْ أَحْمَالِ الدُّنْيَا وَأَمْتِعَتِهَا، وَلَمَّا بَلَغَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَفَاةَ عُمَيْرٍ حَزِنَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ لِي رِجَالاً مِثْلَ عُمَيْرِ أَسْتَعِينُ بِهِمْ فِي أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ. انْتَهَى مِنْ صُوَرٍ مِنْ حَيَاةِ الصَّحَابَةِ بِتَصَرُّفٍ.
اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِعِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
شِعْرًا:
إِذَا شِئْتَ أَنْ تَحْيَا سَعِيدًا مَدَى الْعُمْرِ
وَتَسْكُنَ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي رَوْضَةِ الْقَبْرِ
وَتُبْعَثَ عِنْدَ النَّفْخِ فِي الصُّورِ آمِنًا
مِنَ الْخَوْفِ وَالتَّهْدِيدِ وَالطَّردِ وَالْخُسْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute