اعْلَمْ وَفَّقَنَا وَإِيَّاكَ لما يحبه ويرضاه أن الخوف عبارة عَنْ تألم الْقَلْب واحتراقه بسبب توقع مكروه فِي المستقبل وقِيْل الخوف قوة العلم بمجاري الأحكام وقِيْل هرب الْقَلْب من حلول المكروه عَنْدَ استشعاره.
فالخوف لعام الْمُؤْمِنِينَ والخشية للعلماء العارفين والهيبة للمحبين والإجلال للمقربين، وعَلَى قَدْرِ العلم بِاللهِ ومعرفة الْعَبْد بنفسه يكون الخوف والخشية كما قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «إني لأعلمكم بِاللهِ وأشدكم لَهُ خشية» . وَفِي رواية:«خوفًا» .
وَإِذَا أكملت المعرفة أثرت الخوف ففاض أثره على الْقَلْب، ثُمَّ ظهر على الْجَوَارِح، والصفات النحول والاصفرار والبُكَاء والغشي، وقَدْ يفضي إِلَى الموت.
وأما ظهور أثره على الْجَوَارِح فبكفها عَنْ المعاصي، وإلزامها الطاعات تلافيًا، واستدراكًا لما فرط، واستعدادًا للمستقبل.
ومن ثمرات الخوف أنه يقمَعَ الشهوات، ويكدر اللذات، فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة، كما يصير العسل واللبن مكروهًا إِذَا علم أن فيه سُمًّا، فتحترق الشهوات بالخوف، وتتأدب الْجَوَارِح، ويذل الْقَلْب، ويستكين ويفارقه الكبر والحسد والحقَدْ، ويصير مستوعبًا الهم لخوفه والنظر فِي خطر عاقبته.
فلا يتفرغ لغيره، ولا يكون لَهُ شغل ‘لا الْمُرَاقَبَة، والمحاسبة والمجاهدة، والبخل فِي الأنفاس، واللحظات، أن يصرفها فيما لا فائدة فيه، ومؤاخذة النفس فِي الخطرات، والخطوات، والكلمَاتَ، وقوة الخوف