للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شِدَّةِ الْعَطَشِ وَالْحَرِّ يَنْحُرُونَ الْبَعِيرَ فَيَعْصِرُونَ فَرْثَهُ الذِي فِي الْكِرْشِ وَيَشْرَبُونَهُ فَلِذَا سُمِّيَتْ غَزْوَةَ الْعُسْرَةِ أَيْ الشَّدَّةِ وَالضَّيْقِ.

وَسَبَبُهَا أَنَّ الرُّومَ قَدْ جَمَعَتْ جُمُوعاً كَثِيرَةً بِالشَّامِ وَأَنَّ هِرَقْلَ قَدْ رَزَقَ أَصْحَابَهُ لِسَنَةٍ وَأَجْلَبَتْ مَعَهُ لَخْمٌ وَجُذَامٌ وَعَامِلَةُ وَغَسَّانُ وَزَحَفُوا وَقَدَّمُوا مُقَدِّمَاتِهِمْ إِلى الْبَلْقَاءِ وَعَسْكَرُوا بِهَا.

فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَدَبَ النَّاسَ إِلى الْخُرُوجِ وَأَظْهَرَ لَهُمْ الأَمْرَ لِيَتَأَهَّبُوا لِذَلِكَ أُهْبَتَهُمْ وَأَخْبَرَهَمُ بِالْوَجْهَ الذِي يُرِيدُ وَبَعَثَ إِلى الْقَبَائِلِ مَكَّةَ يَسْتَنْفِرُهُمْ إِلى عَدُّوِهِمْ وَخَطَبَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِي النَّاسِ فَحَضَّ عَلَى الْجِهَادُ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَحَثَّهُمْ عَلَى النَّفَقَةِ وَرَغَّبَ أَهْلَ الثَّرْوَةِ بِالْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ وَحَثَّ الْمُوسِرِينَ عَلَى تَجْهِيزِ الْمُعْسِرِينَ.

فَتَبَادَرَ الْمُسْلِمُونَ وَجَاءُوا بِصَدَقَاتٍ كَثِيرَةٍ وَتَنَافَسُوا فِي تَجْهِيز جَيْشِهِمْ فَكَانَ أَوَّل مَنْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَاءَ بِمَالِهِ كُلِّهِ أَرْبَعَةُ آلافِ دِرْهَمٍ.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هَلْ أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ شَيْئاً)) ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللهَ وَرَسُولَهُ. وَجَاءَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِنِصْفِ مَالِهِ فَسَأَلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هَلْ أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ شَيْئاً)) ؟ قَالَ: نَعَمْ نِصْفَ مَالِي. وَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِمَائَةِ أَوْقِيَة فِضَّةً.

وَجَاءَ الْعَبَّاسُ بِمَالٍ كَثِيرٍ وَجَاءَ طَلْحَةُ بِمَالٍ وَجَهَزَّ عُثْمَانُ بن عَفَّانَ ثُلُث الْجَيْشِ وَجَاءَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ بِمَالٍ وَجَاءَ مُحَمَّد بنُ مَسْلَمَةَ بِمَالٍ وَجَاءَ عَاصِمُ بنُ عُدِيٍ بِتِسْعِينَ وَسقَا مِنْ تَمْرٍ وَبَعَثَ النِّسَاءُ كُلَّ مَا قَدِرْنَ عَلَيْهِ مِنْ مِسْكٍ وَحُلِيٍ مَعَاضِدَ وَخَلاخِلَ وَأَقْرَاطٍ وَخَوَاِتَم.

<<  <  ج: ص:  >  >>