للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابنُ إِسْحَاقَ فَذَكَرَ لَنَا الزُّهْرِيُّ وَيَزِيدُ بنُ رُومَانَ وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ وَعَاصِمُ بنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ الْقَوْمِ يُحَدِّثُ مَا يُحَدَّثُ بَعْضٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّهَيُّؤِ لِغَزْوِ الرُّومِ وَذَلِكَ فِي زَمَنِ عُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ وَشِدَّةٍ مِنْ الْحَرِّ وَجُدْبٍ مِنْ الْبِلادِ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالنَّاسُ يُحِبُّونَ الْمَقَامَ وَيَكْرَهُونَ الشُّخُوصَ عَلَى حَالٍ مَنَ الزَّمَانِ الذِي هُمْ عَلَيْهِ.

وَكَانَ رَسُولٌُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّ مَا يَخْرُجُ فِي غَزْوَةٍ إِلا كَفَا عَنْهَا وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ غَيْرَ الْوَجْهِ الذِي يَعْمِدُ إِلَيْهِ إِلا مَا كَانَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَإِنَّهُ بَيَّنَهَا لِلنَّاسِ لِبُعْدِ الْمَشَقَّةِ وَشِدَّةِ الزَّمَانِ وَكَثْرَةِ الْعَدُوِّ الذِي يَعْمِدُ لَهُ لِيَتَأَهَّبَ النَّاسُ لِذَلِكَ أُهْبَتَهُ.

فَأَمَرَ النَّاسِ بِالْجِهَازِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الرُّومَ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ فِي جَهَازِهِ ذَلِكَ لِلْجَدِ بنِ قَيْسٍ أَحَدِ بَنِي سَلَمَةَ: ((يَا جَدُّ هَلْ لَكَ الْعَامَ فِي جَلادِ بَنِي الأَصْفَرِ)) .

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوَ تَأْذَنُ لِي وَلا تَفْتِنِي، فَوَاللهِ لَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي أَنَّهُ مَا مِنْ رَجُلٍ أَشَدَّ عُجْباً بِالنِّسَاءِ مِنِّي وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ رَأَيْتُ نِسَاءَ بَنِي الأَصْفَر أَنِّي لا أَصْبِرُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: ((قَدْ أَذَنْتُ لَكَ)) . فَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} .

وَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ. زَهَادَةً فِي الْجِهَادِ وَشَكّاً فِي الْحَقِّ وَارْجَافاً بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>