ثُمَّ قال: - صلى الله عليه وسلم - «ما أدري، وأنَا رسول الله ما يفعل بي» . قَالَتْ: فوالله لا أزكي أَحَدًا بعده. أي على جهة الجزم وأما على جهة الرجَاءَ وحُسْن الظَّنِ بِاللهِ فجائز، قَالَتْ: وأحزنني فنمت فرَأَيْت لعثمان عينا تجري فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقَالَ:«ذَلِكَ عمله» .
ولما توفي عثمان هَذَا قَبَّلَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - خَدَّهُ وبكى حَتَّى سالت دموعه الكريمة على خد عثمان، وبكى القوم فقَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «اذهب عَنْهَا أي الدُّنْيَا أبا السائب لَقَدْ خرجت عَنْهَا ولم تلبس بشَيْء» . وسماه - صلى الله عليه وسلم - السَّلَف الصالح وَهُوَ أول من قُبِرَ بالبقيع رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فتأمل زجره - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الجزم بالشهادة على عثمان هَذَا مَعَ كونه شهد بدرًا وما يدريك لعل الله أطلع على أَهْل بدر فقَالَ:(اعملوا ما شَئتم فقَدْ غفرت لكم) وكونه قَبَّلَهُ وبكى ووصفه لَهُ بأعظم الأوصاف وَهُوَ أنه لم يتلبس من الدُّنْيَا بشَيْء وبأنه السَّلَف الصالح، تعلم أنه ينبغي للعبد وإن عمل من الطاعات وما عمل أن يكون على حيز الخوف والخشية من الله تَعَالَى.
وروى شداد بن أوس قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الكَيِّسُ من دان نَفْسهُ وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نَفْسهُ هواها، وتمنى على الله الأماني» .
وقَالَ علي بن أبي طالب: وقَدْ سلم من صلاة الفجر وقَدْ علته كآبة وَهُوَ يقلب يده، لَقَدْ رَأَيْت أصحاب مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم -، فلم أرى شَيْئًا يشبهم اليوم،