للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثُّنْيَاءُ وَقَلِيْلٌ مَا هُمْ، وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ جَالِساً ذَاتَ يَوْمٍ وَقُدَامُه قَوْمٌ يَصْنَعُوْنَ شَيْئًا كَرِهَهُ مِن كَلامٍ وِلَغَطٍ، فقِيْل َ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلا تَنْهَاهُمْ؟ فَقَالَ: «لَوْ نَهَيْتُهُمْ عَنْ الْحجَون، لأَوَشَكَ بَعْضُهمْ أَنْ يَأَتِيهُ، وَلَيْسَتْ لَهُ حَاجَةٌ» .

قَالَ الْخَطَّابِيّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: قَدْ أَنْبَأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الشَّرَّ طِبَاعٌ فِي النَّاسِ، وَأَنَّ الْخِلافَ عَادَةٌ لَهُمْ. قُلْتُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قِصَةُ آدَمَ وَحَوَاءَ حِيْنَمَا نَهَاهُمَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الأَكِلِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَكَلا مِنْهَا.

فَبَعْضُ النَّاسِ نَهْيُهُ عَنْ الشَيْء كَأْنَّهُ إِغْرَاءٌ لَهُ فِيهِ، فَإِذَا نَهَيْتُه عَنْ شِدَةِ الإقْبَالِ على الدُّنْيَا والإقْلالِ مِنْ مَحَبَّتِهَا، ازْدَادَ وَفَطِنَ لأَشياءِ قَدْ نَسِيَهَا.

قَالَ بَعْضُهُمْ:

وَإِذَا زَخَرَتَ النَّفْسَ عَنْ شَغَفٍ بِهَا ... فَكَأنَّ زَجْرَ غَويْهَا إِغْرَاؤُهَا

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الشَّرُّ فِي طِبَاعِ النَّاسِ، وَحُبِّ الْخِلافِ لَهُمْ عَادَةٌ، وَالْجَورُ فيهم سُنَّةٌ.

وَلِذَلِكَ تَرَاهُمْ يُؤْذُونَ مَن لا يُؤْذِيهم، وَيَظْلِمُوْنَ مَنْ لا يَظْلِمُهُمْ، وَيُخَالِفُونَ مَنْ يَنْصَحُهُمْ، وَلا يمَنْعُهُمْ مِنَ الظُّلم إِلا خَوفٌ أَوْ رَجَاءَ.

وَقَدِيمًا قِيْلَ:

والظُّلْمُ مِنْ شِيمِ النُّفُوْسِ فَإِنَّ تَجِدْ ... ذَا عِفَّةٍ فَلِعلَّةٍ لا يَظْلِمُ

قِيْلَ لِرَجُلٍ: أَمَا تَسْتَحِي تُؤْذِي جِيرَانَك؟ قَالَ: فَمَنْ أُوْذِيِ، أَأُوذِي مَنْ لا أَعْرَفُ. نَعُوذُ باللهِ مِنْ هَذِهِ الحالِ هَذَا مَطْبُوعٌ على الشَّرِّ والأَذِيَّةِ.

وَاللهُ أَعْلَمُ. وصلى الله على مُحَمَّد وآله وصحبه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>