تَسْمَعُ حِكَايَاتٍ يُطِيبُ سَمَاعُهَا ... وَيَحْلُو كَطَعْمِ الشَّهْدِ فِي ثَغْرِ ذَائِقِ
فَكَمْ مِنْ شَوَاجٍ لِلْقُلُوبِ رَقَائِقٍ ... وَكَمْ مِنْ مَعَانٍ لِلْعُوُم ِحقَاَئِقِ
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا كَانَ فِي يَوْمِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَالَ: أَجْلِسُونِي. فَأَجْلَسُوهُ فَقَالَ: أَنَا الَّذِي أَمَرْتَنِي فَقَصَّرْت وَنَهَيْتَنِي فَعَصَيْتُ وَلَكِنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ ثَمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَأَحَدَّ النَّظَرَ فَقَالَوا: إِنَّكَ لَتَنْظُرُ نَظَرًا شَدِيدًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: إِنِّي لأَرَى حَضْرَةً مَا هُمْ بِإِنْسٍ وَلا جِنٍّ ثُمَّ قُبِضَ. وَقَالَ مَسْلَمَةَ بن عَبْدِ الْمَلِكَ: لَمَّا احْتُضِرَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كُنَّا عِنْدَهُ فِي قُبَّةٍ فَأَوْمَأَ إِلَيْنَا أَنِ أُخْرُجُوا فَخَرَجْنَا حَوْلَ الْقُبَّةِ وَبَقِيَ عِنْدَهُ وَصِيفٌ فَسَمِعْنَاهُ يَقْرَأَ هَذِهِ الآية: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} مَا أَنْتُمْ بِإِنْسٍ وَلا جِنٍّ ثُمَّ خَرَجَ الْوَصِيفُ فَأَوْمَأَ إِلَيْنَا أَنِ ادْخُلُوا فَإِذَا هُوَ قَدْ قُبِض.
شَمِّر عَسَى أَنْ ينْفَعَ التَّشْمِيرُ ... وَانْظُرْ بِفِكْرَكَ مَا إِلَيْهِ تَصِيرُ
طَوَّلْتَ آمَالاً تَكَنَّفَهَا الْهَوَى ... وَنَسِيتُ أَنَّ الْعُمْرَ مِنْكَ قَصِيرُ
قَدْ أَفْصَحَتْ دُنْيَاكَ عَن غَدَرَاتِهَا ... وَأَتَى مَشِيبُكَ وَالْمَشِيبُ
دَارٌ لَهَوْتَ بِزَهْوِهَا مُتَمَتِّعًا ... تَرْجُو الْمَقَامَ بِهَا وَأَنْتَ تَسِيرُ
وَاعْلَمْ بَأَنَّكَ رَاحِلٌ عَنْهَا وَلَوْ ... عُمِّرْتَ فِيهَا مَا أَقَامَ ثَبِيرُ
لَيْسَ الْغِنَى فِي الْعَيْشِ إِلا بُلْغَةً ... وَيَسِيرْ مَا يَكْفِيكَ مِنْهُ كَثِيرُ
لا يَشْغَلَنَّكَ عَاجِلٌ عَن آجِلٍ ... أَبَدًا فَمُلْتَمِسُ الْحَقِيرِ حَقِيرُ
وَلَقْدَ تَسَاوَى بَيْنَ أَطْبَاقِ الثَّرَى ... فِي الأَرْضِ مَأْمُورٌ بِهَا وَأَمِيرُ
آخر: ... حَانَ الرَّحِيلُ فَوَدِّعِ الدَّارَ الَّتِي ... مَا كَانَ سَاكِنُهَا لَهَا بِمُخَلَّدِ
وَاضْرَعْ إِلى الْمَلِكِ الْجَوَّادِ وَقُلْ لَهُ ... عَبْدٌ بِبَابِ الْجُودِ أَصْبَحَ يَجْتَدِي
لَمْ يَرْضَ إِلا الله مَعْبُودًا وَلا ... دِينًا سِوَى دِينِ النَّبِي مُحَمَّدِ
قَالَ بَعْضُهُمْ لما حَضَرَتْهُ الْوَفَاة: (إِلَهِي وَسَيِّدي وَمَوْلاي قَدْ آنَ الرَّحِيل إِلَيْكَ وَأَزِف الْقُدُومَ عَلَيْكَ وَلا عُذْرَ لِي بَيْنَ يَدَيْكَ غَيْرَ أَنَّكَ الْغَفُورُ وَأَنَا الْعَاصِي وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَأَنَا الْجَانِي وَأَنْتَ السَّيدُ وَأَنَا الْعَبْدُ ارْحَمْ.