فَلَمَّا رَأَى الْكِتَابَ ارْتَعَدَ وَتَبَاعَدَ مِنْهُ كَأَنَّهُ حَيَّةٌ عُرِضَتْ لَهُ فِي مِحْرَابِهِ فَرَكَعَ وَسَجَدَ وَسَلَّمَ وَأَدْخَلَ يَدّهُ فِي كُمِّهِ وَأَخَذَهُ وقَلَّبَهُ بِيَدِهِ، وَرَمَاهُ إِلَى مَنْ كَانَ خَلْفَهُ، وَقَالَ: لِيَقْرَأَهُ بَعْضُكُمْ فَإِنِّي اسْتَغْفِرُ اللهَ أَنْ أَمَسُّ شَيْئًا مَسَّهُ ظَالِمٌ بِيَدِهِ.
قَالَ عَبَّاد: فَمَدَّ بَعْضُهُمْ يَدَهُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَرْتَعِدُ كَأَنَّهُ حَيَّةٌ تَنْهِشُهُ ثُمَّ قَرَأَهُ فَجَعَلَ سُفْيَانُ يَبْتَسِمُ تَبَسُّمَ الْمُتَعَجِّبُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ، قَالَ:اقْلِبُوهُ وَاكْتُبُوا لِلظَّالِمِ عَلَى ظَهْرِهِ. فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْد اللهِ إِنَّهُ خَلِيفَةٌ فَلَوْ كَتَبْتَ إِلَيْهِ فِي بَيَاضٍ نَقِيّ لَكَانَ أَحْسَنُ.
فَقَالَ: اكْتُبُوا لِلظَّالِمِ فِي ظَهْرِ كِتَابِهِ، فَإِنْ كَانَ اكْتَسَبَهُ مِنْ حَلالٍ فَسَوْفَ يُجْزَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ اكْتَسَبَهُ مِنْ حَرَامٍ فَسَوْفَ يُصْلَى بِهِ وَلا يَبْقَى شَيْءٌ مَسَّهُ ظَالِمٌ بِيَدِهِ عِنْدَنَا، فَيَفْسِدَ عَلَيْنَا دِينَنَا، فَقِيلَ: مَا نَكْتُبُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: اكْتُبُوا لَهُ:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مِنَ الْعَبْدِ الْمَيْتِ سُفْيَانِ إِلَى الْعَبْدِ الْمَغْرُورِ بِالآمَالِ هَارُونِ الَّذِي سُلِبَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ، وَلَذَّةَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.
أَمَّا بَعْدُ.. فَإِنِّي كَتَبْتُ إِلَيْكَ اعُلِمُكَ أَنَّي قَدْ صَرِمْتُ حَبْلَكَ، وَقَطَعْتُ وَدَّكَ، وَإِنَّكَ قَدْ جَعَلْتَنِي شَاهِدًا بِإِقْرَارِكَ عَلَى نَفْسِكَ فِي كِتَابِكَ بِمَا هَجَمْتَ عَلَى بَيْتِ الْمُسْلِمِينَ فَأَنْفَقْتَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَأَنْفَذْتُهُ بِغَيْرِ حُكْمِهِ، وَلَمْ تَرْضَ بِمَا فَعَلْتَ وَأَنْتَ نَاءٍ عَنِّي حَتَّى كَتَبْتَ إِلَيَّ تُشْهِدنِي عَلَى نَفْسِكَ.
فَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي قَدْ شَهِدْتُ عَلَيْكَ أَنَا وَإِخْوَانُكَ الَّذِينَ حَضَور قِرَاءَة كِتَابِكَ وَسَنُؤَدِّي الشَّهَادَةَ غَدًا بَيْنَ يَدَيِّ اللهِ الْحَكَمِ الْعَدْلِ. يَا هَارُونُ هَجَمْتَ عَلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ.
هَلْ رَضِيَ بِفِعْلِكَ الْمُؤَلَفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا فِي أَرْضِ اللهِ، وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنَ السَّبِيلِ، أَمْ رَضِيَ بذَلِكَ حَمَلَةُ الْقُرْآنِ وَأَهْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute