للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِصَالِحِ الأَعْمَالِ وَأَكْفِنَا بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرِ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَصْلٌ: عِبَادَ اللهِ قَدْ أَصْبَحِ الغِشُّ عِنْدَ كَثِيرٍ منَ الباَعَةِ رُكْنًا وَيَنْذُرُ وُجُودُ بَائِعٍ غَيْرِ غَاشٍ، فَيَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ فِي هَذَا الزَّمَانِ الذِي سَادَ فِيهِ الْغِشُّ وَعَمَّ وَطَمَّ، وَقَلَّ فِيهِ الرَّدْعُ، وَالضَّرْبُ عَلَى أَيْدِي الْغَشَّاشِينَ، أَنْ يَتَحَفَّظَ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ مِن تَحَفُّظٍ، وَيَنْتَبِهِ كُلَّ الانْتِبَاهِ لِكَلامِهِمْ، وَحَرَكَاتِهِمْ، وَسَكَنَاتِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سُرِقَ وَهُوَ لا يَشْعُرُ.

وَلِهَذَا تَجِدْ رِجَالاً يُقْبِلُونَ عَلَى الْبَاعَةِ، وَهُمْ قَلِيلُوا الْخِبْرَةَ، سَرِيعُوا التَّصْدِيقِ لِمَا يُقَالُ لَهُمْ، فَيَلْعَبُ بِهِمْ هَؤُلاءِ الْغَشَّاشُونَ وَيَسْتَغِلُّونَ سَذَاجَتَهُمْ فِي كَسْبٍ مُضَاعَفٍ، أَوْ تَغْطِيَةِ عَيْبٍ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَبُرَتْ خِيَانَةٌ أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيثًا هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ، وَأَنْتَ لَهُ كَاذِبٌ» .

وَلَعَلَّكَ فَهِمْتَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْغِشَّ لَيْسَ مَحْصُورًا فِي السُّوقِ بَلْ يَقَعُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُ فِي السُّوقِ، لأَنَّهُ مَحَلُّ الأَخْذِ وَالإِعْطَاءِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْعُقُودِ غَالبًا، الْمُهِمُّ أَنَّكَ تَتَحَفَّظْ مِنْ هَؤُلاءِ الْغَشَّاشِينَ السُّرَاقِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا سُرَّاقًا لأَنَّ السِّرْقَةَ الأَخْذُ عَلَى وَجْهِ الاخْتِفَاءِ، وَهُوَ مُنْطَبِقٌ عَلَى الْغَشَّاشِ.

تَذْهَب إِلى الْمَأْكُولِ أَوِ الْمَشْرُوبِ، أَوْ مَا يَجْعَلُ فِي أَحَدِهِمَا، فَتَجِدُ أَعْلاهُ نَظِيفًا مُنَقَّىً، تَشْتَاقُ إِلى شِرَائِهِ، وَعِنْدَمَا تَأْخُذُهُ وَتُسَلِّمُ الْفُلُوسِ، وَتَنْظُرُ إليه بِدَقَّةٍ تَجِدْهُ مُخْتَلِفًا عَمَّا نَظَرْتَ إليه أَوَّلاً، بِرَدَاءَةٍ، وَإِنْ ذَهَبْتَ إِلى بَاعَةِ الْمَلابِسِ قَدَّمَ لَكَ الْبَائِعُ ثَوْبًا رَدِيئًا بِاسْمِ أَجْوَدِ الْمَلابِسَ، وَيُعْلِمُكَ بِثَمَنٍ زَائِدٍ جِدًّا عَنْ ثَمَنِهِ الْحَقِيقِي فَإِنْ لَمْ تَكُنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>