للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن أهمل معاتبة نفسه وتوبيخها وأهمل مناجاتها لم يكن لنفسه مراعيًا فنسأل الله العظيم الحي القيوم معرفة حقيقة بأحوال أنفسنا وغرورها.

وختامًا فالعاقل من بذل وسعه في التفكير التام وعلم أن دار الدنيا رحلة فجمع للسفر رحلة.

فمبدأ السفر من ظهور الآباء إلى بطون الأمهات ثم إلى الدنيا ثم إلى القبر ثم الحشر ثم إلى دار الإقامة الأبدية.

هَوِّنْ عَلَيْكَ فَمَا الدُّنْيَا بِدَائِمَةٍ ... وَإِنَّمَا أَنْتَ مِثْلَ النَّاسِ مَغْرُورُ

وَلَوْ تَصَوَّرَ أَهْلُ الدَّهْرِ صُورَتَهُ ... لَمْ يُمْسِ مِنْهُمْ لَبِيب وَهُوَ مَسْرُورُ

فدار الإقامة للمؤمن هي دار السلام من جميع الآفات وهي دار الخلود والعدو سبانا منها إلى دار الدنيا.

فالواجب علينا الاجتهاد في فكاك أسرنا ثم في حث السير إلى الوصول إلى دارنا الأولى وفي مثل هذا قيل:

فَحَيَّ عَلَى عَدْنٍ فَإِنَّهَا ... مَنَازِلُكَ الأُولَى وَفِيهَا الْمُخَيَّمُ

وَلَكِنَّنَا سَبْيُ الْعَدُوِّ فَهَلْ تَرَى ... نُرَدُّ إِلَى أَوْطَانِنَا وَنُسَلَّمُ

آخر: ... تَرَكْتُ هَوَى لَيْلَى وَسُعْدَى بِمَعْزِل ... وَعُدْتُ إِلَى تَصْحِيحِ أَوْلَ مَنْزِلِ

وَنَادَتْ بِي الأَشْوَاقُ مَهْلاً فَهَذِهِ ... مَنَازِلُ مَنْ تَهْوَى رُوَيْدَكِ فَانْزِلِ

ثم اعلم أن مقدار السير في الدنيا ويقطع بالأنفاس كما قيل:

وَمَا نَفْسُ إِلا يُبَاعد مَوْلِدًا ... وَيُدْنِي الْمَنَايَا لِلنُّفُوسِ فَتَقْرَبُ

ويسير الإنسان في هذه الدنيا سير السفينة لا يحس بسيرها وهو جالس فيها كما قيل:

وَإِنَّا لِفِي الدُّنْيَا كَرَكْبِ سَفِينَةٍ ... تَظُنُّ وَقُوفًا وَالزَّمَانُ بِهَا يَجْرِي

ويقول آخر:

نَسِيرُ إِلَى الآجَالِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ ... وَأَيَّامُنَا تُطْوَى وَهُنَّ مَرَاحِلُ

آخر: ... وَكُلُّ امْرِئٍ يَوْمًا سَيَرْكَبُ كَارِهًا ... عَلَى النَّعْشِ أَعْنَاقَ الْعِدَا وَالأَقَارِبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>