وذلك حق فإن الله تعالى هو الخالق للأسباب والمسببات، وَقَدْ جعل لكل مطلوب سببًا وطريقًا ينال به، وهذا جار على الأصل الكبير، وأنه من حكمته ورحمته جعل الجزاء من جنس العمل فكما أن الإنسان وصل رحمه بالبر والإحسان، وأدخل على قلوبهم السرور، وصل الله عمره وبسط فِي رزقه ووسعه وفتح له من أبواب الرزق مَا لَمْ يكن له على بال وبارك له.
فكم من إنسان وهبه الله قوة فِي جسمه ورزانة فِي عقله ومضاء فِي عزيمته وبركة فِي علمه وعمله كانت حياته حافلة بالأعمال الطيبة، فهذا حياته حياة طويلة وإن كانت فِي الحساب قصيرة، لأن المقياس الحقيقي للحياة المباركة هي جلائل الأعمال، وكثرة الآثار ليس الشهور والأعوام كما قال بعضهم:
أَقْبِلْ على الْعِلْمُ وَاسْتَقْبِلْ مَبَاحِثَهُ ... فَأَوَّلُ الْعِلْمِ إِقْبَالُ وَآخِرُهُ
وانظر إِلَى من مضى من العلماء والمصلحين الذين عاشوا زمنًا قليلا كأنهم لبثوا قرونًا كثيرة لكثرة مَا عملوا وعظم مَا خلفوا بينما ترى آخرين يعيشون زمنًا طويلاً ويذهبون ولا يبقى لهم أثر ولا ذكر كما قيل:
كَأَنَّهُمْ قَطُّ مَا كَانُوا وَمَا خُلِقُوا
وَمَاتَ ذِكْرُهُمُوا بَيْنَ الْوَرَى وَنُسُوا
ومن أسباب البركة فِي العمر والله أعلم التفرغ من الشواغل والشواغب فمن كثرت شواغله، وشواغبه قليل البركة فِي العمر أو معدومها لأنه منع من تصريفه فِي طاعة الله بمتابعة شعواته وملذاته وتحصيل مناه