للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُنَالِكَ يَستحَيلُ حُلْوُ العيش مُرًا وَيَنْقَلبُ عُرْفُ الأمر نُكْرًا، ويَعْلمِ جَامِعُ الحطام الذِي أَضَاعِ بِهِ أَوْقَاتَهُ أن الباقيات الصالحات أَبْقَى ذِكرَا وأنفعُ ذُخْرَا، ليس في ظل الدنيا مقيل ولا على هَذِهِ الحياةِ تَعويلِ.

كَيْفَ يطمعُ عاقِلٌ في الإقامة بدار الرحيل، كيف يَضحَك من هو مَحْفُوفَ بمُوجبات البُكاء والعَويل، أسْمَعَنا النَّاصِحُ فَتَصَامَمْنَا، وَأيْقَظَتْنَا الغيَرُ فَتَنَاومْنَا، وَرَضِينَا بَالْحَياةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخرِة، واشْتَرَيْنَا مَا يَفْنَى بِمَا يَبْقَى فَتِلْكَ إِذًا صفقَةٌ خَاسِرَة.

أَيْنَ الآذَانُ الْواعِية، أيْنَ الأعْيُنُ البَاكِية، قَوْلٌ بلا فِعَال وأمْرٌ بلا امتثال رُسُلُ مَلَكِ الموت في كُل نَفَس تَدْنُوا إلى أنْفُسِنَا وأجْسَادُ أَحِبَّتِنَا تحتَ أطباق الثرى هَامدة.

قد أو حَشَتْ منهم دِيَارُهُمْ، وَدَرَسَتَ رُسُومُهَم وآثارُهم، وتقطعت بالبلاء أوَصالُهم، وَمَحَتْ أَيْدِي الحَوادثِ والقُبور مَحَاسِنَ تِلكَ الصُّورَ، وأطْبَقُت عَليهم ضُلَماتُ تِلْكَ الحُفَر.

فلا شَمس فيها ولا نُور ولا قَمر، ونَحْنُ عَمَّا قَريب إلى مَا صاروا إليه صائرون، وبالكأس الذي شربوا منه شارِبُون ثم مع هذا اليقين إلى دار الغرور راكنون.

طُوبَى لِمَنْ فِي مَراضي رَبِّه رَغَبَا ... وَعَنْ مَصَارِعِ أهلِ اللَّهْو قَدْ هَرَبَا

قَدْ وَطَّنَ النفسَ أنَّ اللهَ سَائلُهُ ... فَفَرَّ مِنْهُ إِلَيْهِ مُهِيبًا هَرَبَا

وَللتُقَى مَرْكَبٌ يَنْجُو برَاكِبِهِ ... فَيَا نَجَاةَ الذي مَعْ أَهْلِهِ رَكَبَا

وَلِلْهُدَى رُفْقَةٌ فَاسْعَدْ بِصُحْبَتِهْمِ ... فَيَا سَعَادَةَ مَن أَهلَ الهدُى صَحَبَا

لِلَّهِ دُرُّ عِبَادٍ قُرْبَهُ طَلَبُوا ... لَمْ يَطْلُبُوا فِضَّةً منه ولا ذَهَبَا

سَارُوا بَعْزِمِ وَتَشْمِير وَمَا اتَّخَذُوا ... فِي سَيْرِ دُنْيَاهُمُوا لَهْوًا وَلا لَعِبَا

<<  <  ج: ص:  >  >>