للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله ثُمَّ سألني عَنْهَا فقَالَ: «ما فعلت أكنت فرقت الستة دنانير» . فَقُلْتُ: لا وَاللهِ، لَقَدْ كان شغلني وجعك، قَالَتْ: فدعا بها فوضعها فِي كفه، فقَالَ: «ما ظن نَبِيّ اللهِ لو لقي الله وهذه عنده» .

فيا لله ما ظن أصحاب الكبائر والظلمة بِاللهِ إِذَا لقوه ومظَالِم العباد عندهم، فَإِنْ كَانَ ينفعهم قولهم: حسَّنَّا ظنونَنَا بك إِنَّكَ لم تعذب ظالمًا ولا فَاسِقًا، فليصنع الْعَبْد ما شَاءَ، وليرتكب كُلّ ما نهاه الله عَنْهُ، وليحسن ظنه بِاللهِ، فالنار لا تمسه، فسبحان الله، ما يبلغ الغرور بالْعَبْد، وقَالَ إبراهيم لقومه (٣٧: ٨٦) {أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} . أي ما ظنكم به إن يفعل بكم إِذَا لقيتموه وقَدْ عبدتم غيره.

ومن تأمل هَذَا الموضع حق التأمل علم أن حُسْن الظَّنِ بِاللهِ هُوَ حسن الْعَمَل نَفْسهُ، فَإِنَّ الْعَبْد يحمله على حسن الْعَمَل حُسْن الظَّنِ بربه أن يجازيه على أعماله ويثيبه عَلَيْهَا ويتقبلها منه، فالَّذِي حمله على حسن الْعَمَل حُسْن الظَّنِ، فكُلَّما حسن ظنه بربه حسن عمله.

وإِلا فَحُسْن الظَّنِ مَعَ اتباع الهوى عجز، كما فِي الترمذي والمسند مِنْ حَدِيثِ شداد ابن أوس عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الكيس من دان نَفْسهُ وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نَفْسهُ هواها، وتمنى على الله الأماني» .

وبالجملة فَحُسْن الظَّنِ إنما يكون مَعَ انعقاد أسباب النجاة وأما مَعَ انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتى إحسان الظن.

فَإِنَّ قِيْل: بل يتأتى ذَلِكَ، ويكون مستند حُسْن الظَّنِ على سعة مغفرة الله ورحمته، وعفوه وجوده، وأَنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ، وَأَنَّهُ لا تنفعه العقوبة ولا يضره العفو.

<<  <  ج: ص:  >  >>