للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك المخاوف والأخطار، وأكثر فيها التفكر والاعتبار لتسلب عَنْ قلبك الرَّاحَة والقرار فِي هَذِهِ الدار فتشتغل بالجد والاجتهاد والتشمير للعرض على الجبار.

وتفكر أَوَّلاً فيما يقرع سمَعَ سكَانَ القبور من شدة نفخ الصور، فَإِنَّهَا صيحة واحدة تنفرج بها القبور عَنْ رؤوس الموتى، فيثورون دفعة واحدة.

قَالَ الله جل جلاله: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ} ، وقَالَ جَلَّ وَعَلا: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} .

فتصور نفسك إنتبه يَا أخي لهَذَا الْيَوْم العَظِيم الَّذِي لَيْسَ عظمة مِمَّا يوصف، ولا هوله مِمَّا يكيف، ولا يجري على مقدار مِمَّا يعلم فِي الدُّنْيَا ويعرف، بل لا يعلم مقدار عظمه ولا هوله إلا الله تبارك وتَعَالَى، وما ظنك بيوم عَبَّرَ الله تبارك وتَعَالَى عَنْهُ بَعْض ما يكون فيه بشَيْء عَظِيم. قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} ، وماذا عَسَى أن يَقُولُ القائل فيه وماذا عَسَى أن يصف الواصف به الأَمْر أعظم والخطب أكبر والهول أشنع كما قَالَ القائل:

وما عَسَى أنْ أَقُولَ أَوْ أَقُومُ بِهِ ... الأَمْر أَعْظَمُ مِمَّا قِيْل أَوْ وُصِفَا

وقَالَ آخر:

يَضْحَكُ الْمَرءُ وَالبُكَاءُ أَمَامَهُ ... وَيَرُومُ الْبَقَاءَ وَالموتُ رَامَهْ

ويَمْشِي الْحَدِيثُ فِي كُلِّ لَغْوٍ ... وَيُخْلِي حَدِيثُ يَومِ الْقِيَامَهْ

وَلأَمْرٌ بَكَاهُ كُلُّ لَبِيبٍ ... وَنَفَى فِي الظَّلامِ عَنْهُ مَنَامَهْ

صَاحَ حَدِّثْ حَدِيثَهُ وَاخْتَصْرهُ ١٠ ... فَمُحَالٌ بِأنْ تُطِيقَ تَمَامَهُ

عَجِزَ الْوَاصِفُونَ عَنْهُ فَقَالُوا ... لَمْ نَجِئْ مِن بحَارِهِ بِكضَامَهْ

<<  <  ج: ص:  >  >>